ليس بنكيران وحده من يحق له التعبير عن إعجابه بسيدة هي نهاد الصنهاجي التي قال لها “كتعجبيني واخا ماكنعرفكش”. نحن أيضا لدينا الحق في أن نعجب برباطة جأش سيدة معينة، وأن نرفع لها القبعة تحية واحتراما.
إسمها ندية ياسين. شهرتها أنها ابنة الشيخ، وسبب الإعجاب بها اليوم هو أنها وفي عز جنازة والدتها، وفي عز الحزن الذي ينبغي أو يفترض أن تحس به ابنة فقدت أغلى مالديها الأم، وجدت الوقت الكافي لكي تلقي خطبة عصماء في المقبرة وجثمان السيدة الراحلة لازال مسجى ينتظر الإكرام السريع حول الربيع العربي وحول”la chance inouie” التي توفرت للمغرب أن لديه جماعة مثل العدل والإحسان تؤمن باللاعنف.
أعرف فتيات ونساء كثيرات غير ندية ياسين كن سيصبن بالغيبوبة، أو سيصرخن بشكل هيستيري لفقدان الوالدة، وكان مصابهن الجلل سيمنعهن من معرفة الذي يدور حولهن. لكن ندية إبنة الشيخ وإبنة الجماعة، وقد تعلمت من الإثنين أن السياسة لها الأسبقية، وأن الأمور الأخرى بمن فيها وفاة الوالدة تأتي في المقام الثاني
التربية على منهاج النبوة، لنقل أو لنبحث عن عبارة أخرى قد تكون كافية وشافية لشرح ماوقع لأن العديدين يوم الخميس الفارط تساءلو ا “آش واقع فمقبرة لعلو؟” وهل يمكن للدولة أن تمنع امرأة من الدفن؟
طيب لنفترض أنها منعتها من الدفن، ما الذي ستفعله بجثمانها؟
على حسب علمنا المغاربة لا يحنطون، وليس لهم من تقاليد الفراعنة وبناة الأهرامات إلا النزر اليسير من الشبه، لذلك يبدو المنع من الدفن أمرا عسيرا على التصديق وإن كانت الجماعة وأنصار الجماعة، وبعض المتعاطفين الجدد مع الجماعة لأغراض سياسوية صغيرة قد قالوا بالأمر وروجوا له بقوة.
طيب لنبحث عن تفسير آخر أكثر منطقية لما وقع: هل يتعلق الأمر بمكان القبر؟
هنا حتى عقلاء الجماعة قالوها : نعم. نحن نريد دفن الراحلة خديجة المالكي قرب زوجها الراحل عبد السلام ياسين. هذه هي أمنيتها الأخيرة ويجب أن تتحقق.
طيب، لا أحد يمكن أن يعارض أمنية أخيرة لامرأة طيبة لايقال عنها إلا الخير من طرف كل من يعرفونها. لكن هل السبيل إلى تحقيق هاته الأمنية هو الدخول مرة أخرى في معركة سياسية في قلب مقبرة يفترض أن المغاربة كلهم يحتفظون لها بحرمة آتية من حرمة الموت لديهم؟
مرة أخرى العقل السليم الهادئ و”la chance inouie” التي تحدثت عنها كريمة الشيخ في المقبرة تفرض علينا الالتزام بالهدوء، وتلافي تلك العبارات التي سمعها الناس منمقة في الفيديوهات التي اعتلت اليوتوب “يلا بغيتو ننوضوها ننوضوها”.
هذه الجملة حمالة أوجه و”يلا نوضناها آش جا ماكلسها عاوتاني”، ولنا في دول الربيع المزعوم خير المثال.
لذلك قلناها دوما لكل من يدعي أنه لوحده سبب الاستقرار في هذا البلد: المغرب مستقر بجماعته الكبرى ، وليس بالجماعات الصغرى، ولكن بجماعته كلها، بشعبه بملكه، بأحزابه، بتياراته الدينية واللادينية، بجمعياته الحقوقية، بعدمييه، بمخزنييه، بالواقفين في الوسط ، بمن لا موقف لهم من أي شيء على الإطلاق.
هذه هي الحقيقة التي لاحقيقة بعدها، والمرة المقبلة حين نكون في جنائزنا علينا حقا أن ننسى السياسة والرسائل إلى القصر والأوامر الفوقية وتجييش الأتباع ومحاولة محو آخر حكايات الجماعة التي تهم الخيانات الزوجية وما إليه، وأن نتذكر أننا جميعا أموات أبناء أموت.
سنرحل يوما، ولن يبقى وراءنا إلا كلامنا في المقابر وجثث أعزائنا لازالت تنتظر الدفن الأخير، ونحن نخطب لأن “الكاميرا شاعلة”، ونقول لمن يريد الإنصات إلينا “يلا بغيتو ننوضوها، ننوضوها”.
مؤسف، وليرحم الله الجميع..
المختار لغزيوي.