هل في "خيمة" البوليساريو...عاقل؟
داخل القاعة 23، بقصر الأمم المتحدة في جنيف يوم 18 مارس الجاري، كان المغرب محور لقاء حقوقي دولي. اللقاء نُظم بتعاون ما بين المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والبعثة الدبلوماسية المغربية لدى الأمم المتحدة في جنيف. "خطة الرباط لمناهضة ثقافة الكراهية"، كانت هي موضوع اللقاء الذي تدخل فيه خبراء دوليون ومسؤولون من الأمم المتحدة مختصون في حقوق الإنسان. وهي الخطة التي أعدت في الرباط سنة 2012، بإشراف الأمم المتحدة ومساهمة حقوقية مغربية. كان من الممكن أن يكون اللقاء من عاديات اللقاءات التي تُنظم على هامش الدورة السنوية الأممية لحقوق الإنسان، غير أن تدبير السيد المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري، للنقاش حوّل الجلسة إلى محطة مختبرية، لتفعيل خطة الرباط، تدخل فيها المشاركون بمقترحات عملية، و صدرت عنها توصيات لكي تكون موضوع الاجتماعات اللاحقة، بتعاون ما بين المغرب والأمم المتحدة.
بدا المغرب مرة أخرى، و في استمرار لخلاصات المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش، مساهما فعالا في إنتاج أدوات التفعيل الدولي لقيم حقوق الإنسان، بأخلاقياتها وبقوانينها. في أجواء تلك الجلسة، "كومندو" البوليساريو لم يعثر على أي مطية "لإفساد الحفل". سيدة من ذلك "الكومندو"، تخلصت من وجومها، و ما فعلت إلا أن وزعت" بطائق الزيارة" على بعض الحضور. وهي لم تشعر أنها أثبتت أنها حضرت محفلا حقوقيا يفترض فيه أن تفخر بالمغرب، وطنها.
الإشادة بالتقدم الحاصل (التدريجي والواقعي) في إعمال مبادئ، قوانين، أخلاقيات ومواثيق حقوق الإنسان، في المغرب... أضحى لازمة في التعبيرات الدبلوماسية، المكتوبة والشفهية، اتجاه المغرب، في كل مناسبة للحديث عن المغرب أو الحديث مع جلالة الملك على مستوى قادة الدول... فرنسا، أمريكا، إسبانيا، بان كيمون، البرلمان الأوروبي...وهي عينات عن الصورة التي يوضع المغرب اليوم فيها، وفي سياق أوضاع عالمية وخاصة عربية، بات التميز الايجابي فيها استثناء.
التقويم الايجابي للمغرب يتجه نحو التقويم الشامل لحكامة الدولة، بحيث يشمل تثمين مقترح الحكم الذاتي لإنهاء نزاع الصحراء المغربية واعتباره مقترحا جديا للتقدم في المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة. ويمتد التقويم إلى التنويه بالفعالية المغربية في المواجهة الدولية للإرهاب، وتقدير الوصفة المغربية ككل بأبعادها السياسية، الدينية والأمني. سياسيا، يُقصد به التدبير الديمقراطي للشأن العام المغربي. ودينيا، يشار به إلى مضامين الإصلاح الديني وآلياته. وأمنيا، تتم الإشادة بالجاهزية الاحترافية للأجهزة الوطنية للاستخبارات والأمن، وهي التي بات دورها فاعلا في التعاون الاستخباراتي الدولي. تلك الأجهزة التي تواكب المسار الإصلاحي للمغرب المنطلق منذ 1999 بحيث تحولت من أجهزة قمع سياسي إلى مؤسسات لحماية الوطن ولضمان الأمن في الحياة العامة والأمان للمواطنين.
العالم يتابع مغربا آخر ينمو ويتقدم قدر إمكانياته، وبدون قطائع مع خصوصياته، وبكل مكونات شعبه، في توفير فرص تجويد الحياة لمواطنيه وللمساهمة، مع الإنسانية، في ازدهار الحياة على هذه الأرض، وعلى قاعدة المتعارف عليه كونيا، ثقافيا، حقوقيا وحضاريا. ومن ذلك، عدم تأجيجه لصراعات المنطقة، وحين يلتمس منه التدخل في نزاعات محيطه الإفريقي والعربي، يساعد على إقرار السلام ويشجع على الحل التوافقي، مثل ما حاول فعله في مالي ويفعل الآن مع ليبيا.
وهو وضع يسمح للمغرب، وقد سمح له، بأن يصون كرامته، وأن يلح على واجب التعامل معه بالاحترام الذي يليق به، وعلى قاعدة ندية دبلوماسية يستحقها ولم يعرها له أحد... وقد رأينا ما وقع مع أوباما، هولند، بانكيمون، إسبانيا وحتى مع مصر.
وَضع المغرب اليوم، في المستوى العالمي، خاصة في منطقتنا، يفترض أن يملي على قيادة البوليساريو قراءة موضوعية وواقعية، بما يساعدها على مراجعة ما تسجن فيه نفسها من تصورات وافتراضات تقادمت وباتت بلا طعم وبلا حتى فائدة المشاغبة بها ضد المغرب. وبالتبعية، لعل ذلك يحقق للبولساريو بعض الاستقلال عن القرار الجزائري الذي يقيدها إليه منذ أربعين سنة. ويُساعدها على الاستقلال بقرارها، إن الجزائر في وضع ارتباك قيادي، جراء الحالة الصحية لرئيسها، والاعتلال الواضح في تدبير الدولة، على تدبير الدولة مع ما يعتمل داخليا من صراع الأجنحة حول قيادتها غدا.
البوليساريو تلبي للجزائر حاجة الشغب ضد المغرب والتشويش عليه، من مفعول "عقيدة" أن المغرب هو العدو الأول للجزائر والتي صاغها بعض قادة الجزائر من جيل بوتفليقة وبومديان. وهي "عقيدة "، عدا عن كونها باطلة، أضحت متجاوزة، وقد أبطل المغرب مفعولها بفعل ما حققه من تحسن لموقعه الدولي، بسبب التقدم الملاحظ عليه في تطوير أوضاعه الداخلية، من جهة الديناميكية الديمقراطية (الحقوقية والاجتماعية)، والتي من ثمراتها مبادراته السلمية الحكيمة والجدية في إقرار الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. وعلى النقيض من غيره في المنطقة، ربط المغرب بين سلطة الممارسة الديمقراطية وتمنيع الدولة لحمايتها. وقد بات العالم اليوم في حاجة إلى دول قوية ومنيعة في مواجهة أخطار اليوم.
تفترض الأوضاع والتحولات في العالم حولنا، أن يوجد داخل قيادة البوليساريو من يتعامل معها بجدية ليستخلص منها أن العالم يتغير، وذلك التغير لا بد أن ينعكس على قضية الصحراء المغربية وعلى مصير البوليساريو. لأن الحماس العالمي اليوم، وأمام ما استجد من أخطار إرهابية، يتجه لاعتماد الحل السلمي لمخلفات صراعات ونزاعات الطبعة القديمة للنظام الدولي المتغير (وهو ما يحرج ويعزل إسرائيل)، على قاعدة التوافق وحقن الدماء وبلا غالب ولا مغلوب، وبلا تحجّر في المنطلقات المذهبية أو السياسية أو الهوياتية للأطراف والإقرار بأن الحرب لا تنفع أحدا.بعض الوقائع والتحولات المتفرقة، لا بأس من الإشارة إليها، بالعناوين وبلا ترتيب لا زمني ولا للأهمية. لعلّها تساعد على التفكير الواقعي والموضوعي والتأمل في السياقات الدولية لقضية الصحراء، مثلا:
الولايات المتحدة وكوبا يحثان الخطى لتطبيع علاقاتهما وتجاوز عقود من العداء" السياسي" و "الإيديولوجي" بينهما. وهو ما كان من الصعب توقعه؛
الولايات المتحدة وإيران يكثفان المساعي والمحاولات والمفاوضات، وآخرها خطاب أوباما في عيد النيروز الموجه إلى إيران. عبر مدخل الملف النووي، يسعيان ولو بصعوبة، إلى ترميم جسور العلاقات بينهما والتي خربتها عقود من التراشق "بالشيطنة وبالتشرير". وهو تحول كان يبدو مستحيلا قبل سنوات قليلة؛
المد الإرهابي المستشري في منطقتنا، بات التعاطي معه ومع تداعياته، محددا للسياسات الدولية والوطنية. والآن وقد أضحى جليا أخطار الانتشار الكثيف للقوى الإرهابية على فضاء منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، و حوالي أو داخل دول إفريقية وعربية هشة المناعة الأمنية والسياسية، فإن منطق المصلحة الدولية المشتركة لابد وأن يفضي إلى، والحث على، العمل على نزع فتائل ألغام الصراع المزروعة، إبان الحرب الباردة، و من منطلق ثقافة القوة والهيمنة المتقادمة، والتي تمثل معسكراتها حقل بارود على تماس مع براكين متأججة.
و أخيرا، دعوة القيادي الكردي عبد الله أوجلان لرفاقه برمي السلاح ودخول غمار العمل السياسي والانخراط في بنيات الصراع الديمقراطي، داخل تركيا، بعد حوالي أربعين سنة من القتال الضاري بهدف إقامة دولة كردية، تلك الدعوة انطلقت من منطق التعايش والتفاعل الهوياتي والسياسي داخل الوطن التركي الواحد، بدل منطق التناحر أو الانتحار الذي ساد لعقود والمضر بالأكراد الترك، هي مبادرة تاريخية جديرة بالتأمل واستنباط منطلقها ومرماها ودروسها. وكانت قد سبقتها في السنوات الماضية، المبادرات السياسية لفصائل حملت السلاح لأزيد من ثلاين سنة، مثل حركة "إيتا" الباسكية و"إيرا" الإرلاندية و"النمور التامول" السريلانكية، و كلها تحولت إلى العمل السياسي واندمجت في الدورة الديمقراطية والمدنية لبلدانها.
يفترض أن يوجد عاقل في قيادة البوليساريو لكي يخلص بتفكيره إلى أن وضع حد لعقود من التشغيل الجزائري لقضية الصحراء المغربية، ضرورة حيوية، سياسية، أمنية واقتصادية للمغرب الكبير ولكل أقطاره، وللصحراويين المغاربة في تندوف وفي العيون والداخلة والسمارة. و المغرب يسّر هذا القرار، وهو يقدم جسر العبور إلى فضاء الاستقرار والتنمية والتضامن من أجل التقدم، عبر مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية... هي بوابة فتحتها الحكمة وهي مشرعة أمام العقلاء... وأمام الشجعان... والأمل أن لا تستمر البوليساريو في المحافل الدولية في وضع مماثل لتلك "المناضلة" الصحراوية (وهي مغربية موظفة في مدينة العيون) التي رأيناها في القاعة رقم 23 في جنيف...في وضع وجوم و...شرود.
طالع السعود الأطلسي