تخيلوا معنا لو أن دول المغرب العربي بنت اتحادها، بعد الصورة التاريخية التي جمعت بمراكش جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني والشاذلي بنجديد وزين العابدين بنعلي والعقيد معمر القذافي ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع. وتخيلوا معنا لو بدأ بناء المغرب العربي من ذاك الوقت، وتشكلت مؤسساته الحقيقية لا الصورية، وتأسست السوق المشتركة للمغرب العربي، وأصبح الراكب من البيضاء يشتري سلعته من طرابلس ويبيعها في نواكشوط ويقضي الويكاند في تونس قبل أن يعرج على الجزائر لعقد صفقة مهمة. تخيلوا معنا أن اتحاد المغرب العربي الكبير تأسس على أسس سياسية واقتصادية، وتحولت ليبيا إلى دولة ديمقراطية غير محكومة بالجنون، وتحولت الجزائر إلى دولة مؤسسات بدل دولة الجنيرالات، وسبقت تونس الربيع العربي وأسست الدولة الديمقراطية وتجاوزت موريتانيا رمال الصحراء لتنخرط في مصاف الديمقراطيات وتنصهر مع دول الجوار. هذا كله حلم لم يتحقق مع الأسف. كان حلم الشعوب، ومع ذلك كان حلم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي رحل إلى جوار ربه وفي حلقه غصة الشتات المغاربي. لقد حاول أن يقرب بين دول المغرب العربي، وتجميع فكرها حول وحدة اقتصادية وثقافية يمكن أن تكون نموذجا يضاهي السوق الأوروبية المشتركة، لأنه كان يعرف أن بناء الوحدة السياسية لا تتم قبل بناء الوحدة الاقتصادية. ماذا لو تحقق هذا الحلم؟ هل كانت ستظهر داعش التي تهدد المغرب العربي؟ هل كانت ليبيا ستكون قاعدة لجيش داعش وتنال تونس شرارة الإرهاب وتصبح الجزائر ترعة لمرور المتطرفين ويكتشف المغرب بفضل قدراته الأمنية كل هذا الكم من الدمار النائم بيننا؟ لو تحقق الاتحاد لكانت دول المغرب العربي وحدة اقتصادية قوية، لها من الإمكانات ما تستطيع من خلاله تحقيق الرفاه لشعوبها، ولاستطاعت خلال ربع قرن من الزمن أن تكون قوة إقليمية لها علاقات كبيرة مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، لكن تسير الرياح بما لا تشتهيه السفن، ويتوقف قطار المغرب العربي في وجدة، وتبقى دوله تعيش منفردة وسط العالم، الذي لم يعد يقبل الكيانات الصغيرة. ورغم التحديات التي يواجهها العالم وتواجهها المنطقة بالخصوص تحجرت الذهنية لدى زعماء المنطقة على الشتات، ومنها دول احترفت معاداة المغرب ومواجهة خياراته التي لم يطلب من أحد تأييدها ولكن أخذ مسافة غير مسافة العداء. اليوم تغيرت الظروف بشكل كبير. فنحن نواجه حركة إرهاب دولي ونواجه جيلا جديدا من الجهاديين. وفي ظل المواجهة العنيفة مع التنظيمات الإرهابية، يستقبل المغرب الحوار بين الإخوة الأعداء في ليبيا، وفي مكان ذي رمزية، إنه الصخيرات، التي اعتبرها العقيد القذافي عاصمة للفوضى المغربية فها هي تتحول اليوم إلى عاصمة للوحدة الليبية وصون الدم الليبي وكرامة الليبيين. لم يعد أمام دول المغرب العربي من خيار سوى الوحدة، ولو على مستوى محاربة داعش وشقيقاتها. ولدى المغرب ما يعطيه وليس لديه ما يخسره. المغرب اليوم محط أنظار العالم في مجال مكافحة الإرهاب، لكن تجربة يستفيد منها الغريب ولا يستفيد منها القريب، الذي اختار أن يكون عدوا لبلد كله محبة.