درجت جمعيات و منظمات و مؤسسات أهلية و حكومية في عديد من أقطار العالم على تنظيم تظاهرات و لقاءات ثقافية و فنية .. لتكريم مبدعين ، ساهموا في في إثراء المعطى المعرفي و الجمالي وطنيا و كونيا ، و أحيانا عبر تخصيص جوائز رمزية نوعية لمن انفرد بإبداع إنساني مخصوص . و الواقع أن هكذا أنشطة ثقافية من شأنها أن تساهم و لو نسبيا في الرفع من مستوى الإضاءة الروحية في " نظام " عالمي موسوم بصراع غير مسبوق حول " الغنائم العينية المباشرة " !
و في إطار فعاليات الدورة الحادية و العشرين للمعرض الدولي للنشر و الكتاب بالدار البيضاء المغربية ، تم منح جائزة المغرب للكتاب لهذه السنة لمجموعة من المبدعين في مجال : العلوم الإنسانية و الاجتماعية ، و الدراسات الأدبية و اللغوية و الفنية ، و الترجمة و صنف السرديات و المحكيات . أما جائزة الشعر فقد تم حجبها في " اللحظات الأخيرة " من لائحة الأصناف المعرفية و الفنية المعتمدة ، مما أثار لغطا نحن في غنى عنه . و بعد التصريحات و التصريحات المضادة لأعضاء " لجنة الشعر " تبين بوضوح أن فضيحة جائزة الشعر كانت منتظرة لأسباب مختلفة أقلها عدم الأهلية الثقافية و الأدبية لهؤلاء الأعضاء الذين تم " اختيارهم " لتقييم الأعمال المرشحة للجائزة و الحكم عليها موضوعيا و فنيا ، حتى و لو ادعى البعض منهم الالتزام بالموضوعية و الحياد و الاستناد إلى مبدأ " الشعر و لا شيء غير الشعر" !
نتفهم مدى جدية تقييم الإصدارات الإبداعية و صعوبة وضع معايير محددة للجائزة ، كما نتفهم الاختلافات النسبية بين أعضاء اللجان المخصصة لاستصدار " أحكام نهائية " إزاء هذه الأعمال ، وفق ضوابط نقدية راجحة بعيدة عن سياق المجاملة و المحسوبية و التحيز .. لكن الذي لا نقبله بالمطلق هو ما يقع " وراء الأكمة " ، و أخص بالذكر اللجان " الساهرة " على القراءة و النقاش و التداول حول مصير النصوص الإبداعية المتبارية . و الحال أن فضيحة حجب جائزة الشعر تعود بالدرجة الأولى إلى الوضع الاعتباري الأدبي و المعرفي المتواضع للسادة أعضاء لجنة الشعر ! و على رأسهم الناشط الأمازيغي أحمد عصيد الذي اشتهر في المغرب الأقصى بالدفاع المستميت عن الثقافة الأمازيغية ، و التشهير اللامحدود بالقيم الحضارية العربية و الإسلامية ! و الأستاذ الجامعي حسن مخافي الذي لا نكاد نشعر بوزنه الفكري و النقدي مقارنة بكبار الباحثين و الأكاديميين المغاربة الذين يشتغلون بصمت العباقرة . و الإعلامي الموفق و الشاعر عدنان ياسين الذي حقق نجاحا إعلاميا مشهودا بفضل متابعته غير المنقطعة للمنجز الفكري و الفني عربيا و دوليا ، بيد أن ذلك لا يمكن أن يجعل منهم أعضاء يشرفون على مجريات أبرز منافسة ثقافية ! صحيح أن الإبداع الشعري بمفهومه المشع و النبيل قد تراجع بشكل دراماتيكي وطنيا و دوليا ، و صحيح أيضا أن عدد " الشعراء " أضحى أكثر من " اللازم " ، فما أكثر الشعراء ! و ما أقل الشعر ! لكن يظل الشعر أبدا ذلك التعبير اللغوي الجمالي عن التجارب البشرية، ينقل بفنية استثنائية روح الإنسان، و يلخص موقف الفرد و الأمة من الوجود، و هل أخطأ الأجداد وهم يصدحون بأن الشعر " ديوان العرب " ؟
من هذا المنطلق يفترض أن يؤخذ التباري في مختلف الأصناف الثقافية محمل الجد ، و أن تسند " الأمور إلى أهلها " حتى لا تقترب " الساعة " ، ساعة السقوط العظيم لكل ما هو جميل في وجودنا العربي الحزين ، تكفينا الهزائم و الجراح عسكريا و سياسيا و علميا .. أ فتريدون أن تنهار آخر قلعة " الصمود و الممانعة " ؟ إن الإساءة للشعر اعتداء على الذات الفردية و الجماعية و إجحاف في حق من علم الإنسانية أن استجابة القدر رهينة بالإرادة الصادقة للحياة و الحرية و الكرامة ! !
الصادق بنعلال : كاتب من المغرب