لسبب يتعلق بالذوق الشخصي في استهلاك المادة السياسية، لاتثير اهتمامي الخرجات الإعلامية للسيد إلياس العماري نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أجد فيها مزيجا من شعبوية حميد شباط واندفاعات عبد الإله ابن كيران، مع بصمة شخصية أو نكهة خاصة يضفيه عليها تخصصه في البوليميك، ما يجعلها بالنسبة إلي مادة شديدة الملوحة في الذوق مع قدر أشد من عسرة الهضم. لكني أستمتع بدينامية الرجل وتحركاته حين يرتدي قبعة الديبلوماسي غير الرسمي، وأستطيع القول، من دون تعسف في الحكم، إن كل إنجازات حزب الأصالة والمعاصرة في هذا المجال، تعود إليه بشكل شخصي.
ولأن الهدف نبيل والقضية وطنية، لم أهتم كثيرا بتلك الضجة التي أثارها من حوله خصومه في العدالة والتنمية لما اتهموه بانتحال صفة رسمية ذات زيارة لأمريكا اللاثينية وفي زيارة أخرى لإثيوبيا، والأمر لايتعلق فقط بالمنطق المكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة»، بل لأن القضية بدت لي أقرب إلى المزايدة والبوليميك، وهما أشد ما أقمت في السياسة ، وأبعد ما تكون عن الجريمة التي تسندها الأدلة ويحدث فيها وقع الضرر مرفوقا بشكاية الطرف المتضرر.
إلياس العماري في مجاله الديبلوماسي بالذات دينامو حقيقي، تراه هناك في أمريكا اللاتينية حيث يحقق من الاختراقات ما يعجز عنه سفراء تعتمدهم الدولة، ثم تجده يتوغل في الأدغال الإفريقية نحو إثيوبيا حيث مقر الاتحاد الإفريقي ومطبخ الكواليس الجزائرية والجنوب إفريقية والنيجيرية المتلهفة للمشروع الانفصالي في الصحراء، وحتى حين يتعلق الأمر بالقضية الفسطينية، تجده حاضرا بقوة في رام الله وفي لقاءات منظمة التحرير الفلسطينية، بعدما ترك الحداثيون ملف القدس والدولة الفلسطينية حكرا على الإسلاميين، وقضية ترفع فيها الشعارات العابرة في هذه المسيرة أو تلك.
قبل ثلاثة أيام، كانت المبادرة غير مسبوقة حين استضاف حزب الأصالة والمعاصرة وفدا عن الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، ومرة أخرى أجد إلياس العماري في الواجهة، في مثل هذه المناسبات تصبح لقدرته وملكاته في الخطابة والمناورة قيمة مضافة عالية.
والحق يقال أن إلياس العماري، والشيخ محمد بيد الله الذي يتواجد حاليا بكينيا، نسفا جزء كبيرا مما كنت أخطط له هذا الأسبوع تحضيرا لكتابة هذا الركن. لم أكن بحاجة لانتقاد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران في ملف الصحراء، لأن الرجل نفض يديه مبكرا من هذا الملف منذ أن اعتبره حقيبة يختص بها الملك ومستشاريه وديبلوماسييه «وكفى الله المومنين شر القتال»، لكني كنت مغتاضا من معارضة تنتج مبادرات على الورق وتخلق الضجيج المفجر لأقوال لا تتحول بأفعال، فالمهم بالنسبة إليها هو أن تسجل نقط إعلامية في منابر الخطابة وصفحات الجرائد وشاشات التلفزيون، أما غير ذلك فهم فيه كالعابرون في كلام عابر.
قبل أشهر قليلة أقام الرباعي الحزبي المعارض الدنيا ولم يقعدها، في ندوة صحفية بالرباط أعلن البكوري وشباط ولشكر والأبيض عن مبادرة ديبلوماسية موازية غير مسبوقة لسد الفراغ الذي خلفته الحكومة في ملف الصحراء، لكننا لم نلمس تحركا في الميدان ولاإنجازات نوعية تستحق الذكر أو التنويه، لشكر مشغول بمشاكل حزبه، وشباط مازالت تستهويه لعبة «الموساد وداعش» مع ابن كيران، أما الأبيض المسكين فلم يكن ممكنا منا أن نتوقع منه شيئا آخر غير لعبة القط والفأر مع عبدالله الفردوس، حليفه السابق، في محاكم الدار البيضاء.
وربما أن ما يميز إلياس العماري يكمن في ماضيه اليساري الذي جعله يمتلك مفاتيح مخاطبة نظرائه في أمريكا اللاتينية، أما الشيخ بيد الله فانتمائه الصحراوي يعطيه رصيدا يمكنه توظيفه في انفتاحه على العمق الإفريقي، وإن شئنا حقن المزيد من «الدوباج» في عروق الديبلوماسية الموازية المتراخية، فربما يكون مفيدا أن نلتفت جهة بعض الشخصيات الصحراوية، التي بدلا من أن نستغل شبكة علاقاتها وأصولها الصحراوية ورصيدها التاريخي في أوساط البوليساريو، جعلناها تتآكل فوق كتبات الرمال الصحراوية.
لنتساءل مثلا ماذا نستفيد من ابراهيم الحكيم الذي حصلت في عهده لما كان وزيرا لخارجية البوليساريو أغلب الاعترافات بجمهورية الوهم قبل أن يعود إلى المغرب ويتحمل منصبا ديبلوماسيا بحقيبة فارغة جعلت الصحراويين ينكتون عليه بلقب «السفير المتجول بين حيي الرياض و أكدال بالرباط»؟، وماذا عن الحبيب أيوب الذي قاد انتفاضة 1988 في الرابوني ومنذ أن عاد غاب عن الساحة ولم يذكر اسمه في الواجهة إلا حين اقترن بحادثة سير بين مراكش وأكادير، وأين هو مربيه ربو الذي كان بمثابة وزير للإعلام في قيادة البوليساريو، وأين سيداتي غلاوي الذي كان ممثل الانفصاليين في الدول الاسكندنافية وهما الآن يعيشان العطالة في العيون إلي جانب البشير الدخيل القيادي العسكري السابق في تندوف …
ثمة الكثير من الطاقات والكثير مما يمكن فعله، ينبغي فقط، أن نتجاوز كثرة الرهان على أولئك الذين احترفوا دسائس صالونات الرباط، وامتهنوا السياحة الدولية باسم ديبلوماسية تنتهي في محلات «الشوبينغ» العالمية التي تعود منها محملة بالبضائع بدل المواقف المؤيدة لطروحات المغرب ومجهوداته في صحرائه. والله أعلم في جميع الحالات.
بقلم: يونس دافقير