سنة 1975 مفصلية في تاريخ المغرب، حيث أبدع الملك الراحل الحسن الثاني المسيرة الخضراء، مفهوما وتنفيذا، من أجل الزحف من الشمال إلى الجنوب، قصد صلة الرحم بإخواننا في الصحراء. خرج المستعمر وترك المنطقة عبارة عن خلاء وبضع بنايات عبارة عن قصبات للجيش ونوادي لضباطه. أما الباقي فكانت تسرح فيه الذئاب. واليوم نحن أمام إرادة تتحدى الرمال وتحولها إلى عمران وبناء واستثمار بل إلى فلاحة أيضا. وبعد أربعين سنة ينعقد مونتدى كرانس مونتانا بمدينة الداخلة جوهرة الصحراء المغربية. وقف المنتدون، وهم رؤساء دول سابقون ورؤساء حكومات ووزراء ومسؤولون، على العمل الجبار الذي قام به المغرب، رغم أن الشرط السياسي يعاكسه دائما. ولم يقف المغرب عند هذا الحد بل هيأ نموذجا تنمويا، تقول عنه الرسالة الملكية إلى المنتدى، "النموذج التنموي الجديد لجهة الصحراء، الذي تبنته المملكة، يطمح بالفعل إلى تحويل هذه المنطقة إلى قطب للتلاقي بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء. وفي هذا السياق، فإن مدينة الداخلة مدعوة لاحتلال موقع محوري ضمن القطب الاقتصادي الإفريقي المستقبلي، المندرج في إطار السعي إلى تعزيز السلم والاستقرار في منطقة جنوب الصحراء". المغرب لا يريد أن يكون نموذجا ينصح الكلام واللغو، ولكنه يريد أن يكون "تنمية تمشي وتقدما يراه العالم". وبهذا الصنيع يحق للمغرب أن يقود المسيرة من الداخلة نحو إفريقيا. أي أن المغرب الذي استطاع أن يتحدى الرمال، قادر على أن يكون عامل مساعدة ودعم لدول إفريقيا جنوب الصحراء. فالتشابه الجغرافي موجود والإرادة موجودة. الداخلة نقطة انطلاق. إن مصير مدينة الداخلة، هو أن تصبح منصة للمبادلات متعددة الأشكال، بين الفضاء الأطلسي، ومنطقتي المغرب العربي والساحل. فحيى على الجهاد الإفريقي. لمواجهة جهاد داعش والجريمة المنظمة والاستغلال البشع لثروات المنطقة. لقد اختار المنتدى لأشغاله موضوع التعاون جنوب جنوب وتنمية إفريقيا. وهذا يعزز من الطموح، الذي يسعى إلى جعل القارة السمراء في صميم الاهتمامات الجيوسياسية الدولية الكبرى. لكن لابد من رؤية تنسجم مع القرن الواحد والعشرون بعيدا عن النظر لإفريقيا كمستعمر سابقة. إن القارة السمراء هي التي دفعت أكثر من غيرها الثمن غاليا، خلال فترة الاستعمار، وإبان الحرب الباردة، ولا زالت تعاني، للأسف الشديد، من آثارهما إلى يومنا هذا. فالحدود التي ورثتها بلدان القارة عن المستعمر، لا تزال تشكل، في الكثير من الأحيان، البؤر الرئيسية للعديد من الاضطرابات والنزاعات، ولا بد لنا، نحن أبناء إفريقيا، أن نبتكر السبل الكفيلة بتحويلها إلى فضاءات مفتوحة للتلاقي والتبادل المثمر، بين المجتمعات الإفريقية. وتواجه القارة وضعا أمنيا هشا ومتفاقما. ذلك أن العديد من المناطق الإفريقية، أضحت تعيش اليوم، تحت تهديد أخطار جديدة وعابرة للحدود، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، والاتجار في المخدرات، والاتجار في البشر، والتطرف الديني. وكل هذه التحديات الكبرى، تتطلب منا ردا جماعيا، وتدعونا للتفكير سويا ، والتشاور بشأن الإشكالية الأمنية. هذه هي رؤية جلالة الملك محمد السادس، التي تجدد رؤية جده محمد الخامس الذي كان في قلب حركات التحرر الوطني الإفريقي.