ثلاث كَبْوَات كبيرات مع ثلاث صفعات شديدات تلَّقاها النظام الجزائري في مِلْءِ الوجه، الواحدة بعد الأخرى ، وهو يبذل قُصَارَى جهوده ، مع ما يتطلب ذلك ، طبعا، من صرف أموال باهظة ،في حملة مجنونة لم يعد يستح من شنِّها ، بصفة رسمية ، ضد المغرب في مختلف أنحاء المعمور ، ويستعمل فيها أدواته وأجهزته الرسمية من إعلام ومخابرات ودبلوماسية إلى جانب لُوبِي متعدد الجنسيات والمواهب اشترى هذا النظام خدماته بملايين الدولارات . وما زال ينفق بدون حدود، وبدون حسيب ولا رقيب، من المال العام. الكبوة الأولى الكبيرة تتمثل في ملف أزمة مالي، وهو الملف الذي عمل كل ما يملك من أجل الاستحواذ عليه، وبالتالي الهيمنة على مساره لغاية أصبح الجميع يعرفها ويدركها. وخاض هذا النظام حملة عنيفة فقط من أجل إبعاد المغرب عن مالي ظناً منه أن المملكة تسعى لبسط هيمنتها ونفوذها على مالي والمنطقة، عِلْماً أن الوجود المغربي بمالي كان قبل ظهور الدولة في الجزائر بقرون ، وظلت العلاقات الأخوية بين الرباط وباماكو مستمرة منذ عهود ، لا تؤثر فيها عوامل الزمن ، ولا تدخّلات الأيدي العابثة التي تعمل على الدّسّ والكيد من أجل إحداث شرخ فيها . تَحَرُّك النظام الحاكم بالجزائر بقدر ما كان لافتا ومثيرا بقدر ما كان مُرِيباً، وكأنه يُسابِقُ الزمن من أجل تحقيق هدفه من وراء جمع أطراف النزاع بمالي. وتوالت اجتماعات هذه الأطراف بالعاصمة الجزائر لتصل في النهاية إلى اتفاقية ملغومة تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى في انتظار التوقيع النهائي عليها بباماكو ، عاصمة مالي .التوقيع الأول ليس نهائيا، ومع ذلك أمر النظام الجزائري أبواقه الدعائية بالقيام بحملة تركّز على «نجاح الوساطة الجزائرية" وإشرافها على احتضان اجتماعات أطراف الأزمة في مالي. ولعل النقاش الدائر حاليا بين الأطراف المعنية، والمواقف المُعَبَّرِ عنها، ومنها الرافض جملة وتفصيلا لاتفاق الجزائر، خير دليل على أن الاتفاق في حاجة إلى إعادة نظر عميقة ودقيقة قبل التوقيع النهائي الرسمي المنتظر بباماكو في الأيام القادمة . فالجزائر التي أشرفت على النص الذي يلح على "إعادة بناء الوحدة الوطنية للبلاد (مالي) على قواعد تحترم وحدة أراضيها " هي نفس الجزائر التي تلح في نفس الجملة على أن يأخذ هذا "في الاعتبار تنوعّها (أي مالي) الإثني والثقافي ". هنا يكمن اللّغم . بالنسبة للكبوة والصفعة الثانية ،فإنها جاءت من أطراف الأزمة الليبية الذين أجمعوا أمرهم ، بدون تردد، وملفاتهم ، وجاؤوا إلى المغرب لمناقشة قضايا بلدهم في هدوء وثقة واطمئنان ، بل إن الفرقاء الليبيين استبشروا خيرا بعقد لقائهم على أرض المملكة ، علما منهم بأن الرباط لا مصلحة لها ـ ضيقةـ في الأزمة التي تعرفها ليبيا ، ولا مطامع لها في بلد تجمعه به أواصر المحبة والأخوة رغم المكائد والمؤامرات التي كان العهد البائد ينسجها ويُحِيكُها باسم ليبيا والليبيين . ولعل تصريحات هذه الأطراف بأن فضاء المغرب هو الأرحب والأفضل لهذا الحوار يدل على رغبتها في البحث عن نقاط التلاقي والتصالح عوض التجاذب والتنافر والتطاحن الذي يُؤَدِّي الشعب والبلد ثمنه أولاً وأخيرا . طبعا، النظام الجزائري لم يجد من تبرير لتدخله المريب في الأزمة الليبية سوى استخدام أسطوانة «البلد المجاور". وكأن الجوار يسمح له بإطلاق يده للعبث في مصالح وشؤون الأشقّاء قبل أن يكونوا جيران. في ليبيا استعملت الجزائر أسطوانة "البلد المجاور"؛ بينما اعتبرت مالي وكأنها حديقتها الخلفية. وفي كلتا الحالتين، كان هدف الجزائر هو إبعاد المغرب عن البلدين الشقيقين المذكورين. لكن الفشل لازَم محاولات النظام الجزائري في حالة مالي كما في حالة ليبيا. لكم المثير في الأمر هو أن هذا النظام يُعَلِّق فشله هنا وهناك على ... المغرب. تبقى الصفعة القوية تلك التي تلقتها الجزائر من طرف المسؤولين والمنظِّمين للمنتدى العالمي "كرانس مونتانا" الذين أصروا على تنظيم هذا اللقاء الدولي الكبير بمدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية .ومن المعلوم أن الجزائر شرعت ، مباشرة بعد إعلان المنظمين لهذا المنتدى ، في حملة محمومة استعملت فيها جهاز دبلوماسيتها في مختلف العواصم العالمية ، إلى جانب شراء خدمات لوبي متعدد الجنسيات ، من أجل حمل المنظمين إلى عقد هذا اللقاء في أيّ مكان آخر خارج المغرب . ماذا تريد الجزائر ؟ كَبْوَةٌ وراء كبوة. صفعة وراء صفعة. انكسار واندحار وعزلة متزايدة لم توقظ النظام الجزائري الذي ما زال يغطّ في غفلته وهذيانه وسباته العميق.
حمادي الغاري