قبل أربع سنوات كنت أتنزه في حركة 20 فبراير.
كل أحد، أخرج من البيت، وأذهب إليها، حتى قرر أصحابها التخلي عن هذه العادة الجميلة، وحرموني من نعمة قضاء وقت ممتع ومثير يضفي حيوية ونشاطا على صباحات الأحد الكئيبة.
كانت 20 فبراير شارعا طويلا مملوءا ببشر متحمسين، ورجال أمن، وشعارات، ومطالب، وثورات، وفي الشارع الطويل تصادف حديقة وبرلمانا ومقاه وأصدقاء وبائع ورد.
لا أجمل كان من تدخين سيجارة في منتزه حركة 20 فبراير.
ولا أجمل من شرب كأس بيرة بعد نهاية المظاهرة، له مذاق خاص أفتقده الآن، ويفتقده المناضلون، الذين كنت مندسا بينهم، ومستغلا لحماسهم وأهدافهم النبيلة، من أجل أغراض خاصة وأنانية.
الذين ينعون اليوم الحركة، ويعلنون موتها، ربما لم يعيشوا هذه اللحظات، لأنهم اعتبروا ما كانوا يقومون به مسألة جدية، وثورة، وربيعا عربيا، بينما كانت بالنسبة لي متنفسا في يوم الأحد.
وفي بعض المرات، كنت آخذ معي الأسرة بكامل أفرادها، ونتنزه، ونلعب، ونجري خلف بعضنا البعض، بأقل تكلفة، ونتغدى في النادي، أو في مطعم قريب، أو نستغل كرم دعوة يساري يظن أن الثورة قادمة لا ريب فيها، ثم نعود في المساء إلى البيت سعداء.
لم تكن في الحركة ألعاب بمقابل
كانت اشتراكية ومفتوحة للجميع
وكان الآباء يحملون أولادهم فوق أكتافهم في أرجوحة ثورية وشعبية ويرون العالم كله ويدوخون ويضحكون بالمجان.
وكان الكل سعيدا: الثوار والمناضلون ورجال الأمن والأطفال والباعة ويوم الأحد والضجرون واليائسون والمحتالون والذين بلا عمل والموظفون والطلبة والمراهقون والشيوخ والمسكونون بالحنين.
كانت 20 فبراير حركة ممتعة، حتى أن كثيرين أدمنوا عليها، وأصبحت حياتهم مرتبطة بها.
أما حزب النهج، فقد ظنها للوهلة الأولى انقلابا، وذهب به الحماس إلى أبعد مدى، وفي أسبوعها الأول، ألقى الرفيق عبد الله الحريف خطابا وتوجه إلى الشعب، معلنا عن نفسه رئيسا للجمهورية.
وبعد مرور أربع سنوات، وبعد أن خف وهجها، وتفرق شمل أصحابها، ولم يعد أحد متحمساً للخروج يوم الأحد، وبعد أن تحولت إلى موضوع فلسفي في الصحافة، ومصدر رزق للمحللين، ولكتاب الافتتاحيات، وللناشطين في السفارات، صرت أفكر جديا في شرائها.
نعم، أريد أن أشتري حركة 20 فبراير.
ولن يخدعني أحد، فثمنها اليوم في السوق ليس هو نفس الثمن سنة 2011.
إنها اليوم قديمة، وأصحابها يقولون إنها ماتت.
وعندما كانت حية اشترى أسهمها كريم التازي وميلود الشعبي، بينما أنا أريدها وهي متهالكة وفارغة وخالية من العدل والإحسان.
أريد أن أملكها كموبيليا قديمة أخرج فيها يوم الأحد
أريدها للتسلية ولتزجية الوقت وللتأمل في غرابة المغرب
لقد اشتروها في عز الحراك، غالية ومثيرة، وإذا كان أصحابها مناضلين حقا، فسيمنحونها لي بالمجان.
فالنضال لا يقدر بثمن، وأنا أريد أن أبعث الروح في الحركة، بعد أن أهملها مؤسسوها وانصرفوا إلى مشاغلهم الخاصة.
أريدها باليساريين، وبعبد الحميد أمين على الخصوص، الذي كان يضفي عليها جوا من الإثارة، وهو يقع أرضا وينهض، ويتكسر رأسه ويبرأ في الحين، وأريدها برجال الأمن والمخبرين، والفضوليين.
أريدها بلا عدل وإحسان وبلا سلفيين
كي أجد ما أشغل به نفسي يوم الأحد
وكي أتنزه في الرباط
حرا وسعيدا.
لكن من يملكها اليوم
من قادتها
من يبيعها لي
بعد أن أصبحت خالية
وخرابة
يا لقسوة الحنين
يا للماضي الجميل
حين كنا جميعا نخرج لنتنزه في 20 فبراير
ونرى الثوار
والشباب الملكي
والحالمين
كل المغاربة يلتقون يوم الأحد في شارع طويل
ويضحكون ويمرحون
إنها إرث لنا جميعا
إرث لضحاياها وللمستفيدين منها
ولمن وفرت لهم عملا
وإرث لأمين البارودي
الذي لولاها لما تعرفنا عليه ولما عثر على نفسه واكتشف مواهبه وقدراته
ولما عشنا تلك اللحظات الجميلة، والثورات المغربية الساخرة، كل يوم أحد
من يبيعني 20 فبراير
أيها الشعب
أينك
أيتها الجماهير
أينك
سأشتريكم
لنتنزه يوم الأحد
ولنحتج
ونلعب
ونثور
فالبلد، صراحة، ممل، دونكم
والمغرب كئيب بدستور ممنوح
وبلا مجلس تأسيسي لصياغة الدستور
وبلا حكومة شعبية منبثقة من مقهى باليما
وبلا مطالب
حدودها السماء.
حميد زيد كود.