أعتقد أن الربيع العربي يمثل تطورا ذا أهمية تاريخية ، فهو ضمن هذا المفهوم على الأقل استطاع أن يزلزل أسس بعض الأنظمة الديكتاتورية ، و يمكن بذلك أيضا أن يفتح مجالا واسعا للتخلص من التبعية التاريخية للقوى الغربية " : نعوم تشومسكي .
1 يحظي الشاعر الكبير علي أحمد سعيد ( أدونيس ) بمكانة بالغة الأهمية في مجال الثقافة العربية الحديثة و المعاصرة ، و في مضمار الصوغ و النقد الشعريين تحديدا ، لقد ساهم باجتهاد قل نظيره في التنظير و الاستقراء غير المسبوقين لاستكناه المنجز الثقافي و الإبداعي العربي طيلة عقود من الزمن ، أملا في إحداث قدر من التحول الإيجابي و التغيير المنشود في جسد عربي مثخن بجراح التخلف الحضاري . فطالما أقلعنا معه في " زمن الشعر " نحو عوالم جمالية مصحوبين ب " كتاب التحولات و الهجرة في أقاليم النهار و الليل " ، مفضلين الإبحار ب " مفرد بصيغة الجمع " نستعذب الترنم ب " أغاني مهيار الدمشقي " ، و نستشرف " الثابت و المتحول " في موروثنا الثقافي الباذخ ، كل ذلك في " وقت بين الرماد و الورد " !
2 بيد أن الحراك الشعبي العربي الذي انطلق من ميادين التحرير و التغيير منذ أربع سنوات للمطالبة بإسقاط مظاهر الفساد و الاستبداد ، و إحداث قطيعة مع المسلكيات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية .. المتقادمة، و إقامة تجارب ديمقراطية فعلية ، تضمن للمواطن العربي قدرا من الكرامة و الحرية و العدالة الاجتماعية التي افتقدها في سياق تحكم سياسي عصيب .. كل ذلك لم ينل من نصيب شاعرنا الكبير ما يستحق من الحدب و الرعاية ، بل إن صاحب بيان الحداثة في الشعر العربي استهجن الربيع العربي منذ انطلاقته الأولى لأنه خيب أفق انتظاره ، و خرج عن النمط أو السيناريو الذي رسمه وحيدا في مخيلته ، أي البدء بإحداث " قطائع " معرفية مع الموروث الفكري العربي ، و تجديد الخطاب الديني و تغيير المجتمعات العربية .. أما الأنظمة فليس هذا وقت إسقاطها ! لا لشيء إلا لأن البديل هو التيارات الإسلامية ! و الواقع أن المراقب المحايد للوضع العربي الراهن لن يختلف مع الشاعر الكبير أدونيس في تشخيص الأزمة الحضارية الهيكلية للأمة العربية ، كما أن الباحث الجاد في مجال الفكر و الإبداع لن يجد أي حرج في الدعوة إلى محورية إعادة قراءة المعطى الديني و الثقافي العربي من منظور نقدي و تحليل علمي بحصر المعنى ، و هذا ما نادى به كبار المفكرين المختصين من قبيل محمد عابد الجابري و عبد الله العروي و عبد الكبير الخطيب و طه عبد الرحمن و هشام جعيط و محمد أركون و فهمي هويدي .. بيد أن الخطيئة التي اقترفها ممثلو الحداثة الأدبية العربية و على رأسهم أدونيس هي التعالي عن الشعوب المضطهدة ، و التخلي عن الشباب العربي الذي واجه و يواجه ألوانا من القمع الوحشي لمجرد البوح عن حلمه بالديمقراطية المتعارف عليها دوليا ، لا بل إن الحداثة " الأدونيسية " فضلت أن تقف في صف أنظمة عربية استبدادية .
3 لقد علمتنا أدبيات الفكر الإنساني منذ عصر الأنوار أن الحداثة موقف بشري نبيل من الكون و الإنسان و المجتمع ، و رسالة من أجل تجديد مستمر للمعايير العقلية و الوجدانية ، و النقد العلمي المزدوج للمستويين المتعالقين أبديا ؛ المستوى الفكري العام و الشامل ( نقد العقل ) ، و المستوى السياسي الفعلي و الملموس ( نقد الاستبداد ) . و عليه يبدو من الواضح جدا أن شمس الحداثة العربية لن تشرق في السماء العربية الغائمة ، إلا بالإصرار على النضال غير المتوقف على أن الحداثة المطابقة لراهن الواقع العربي ، تقوم على مناصرة القيم الديمقراطية الكونية و انتهاج المنهج العقلاني مسلكا وحيدا للتعاطي مع قضايا العرب المصيرية ، فلا حداثة بدون ديمقراطية ، و لا ديمقراطية بدون قبول الآخر و الاعتراف به ، ما دام يؤمن بالمشترك الكوني و الوطني سياسيا و قيميا ! !
الصادق بنعلال – كاتب من المغرب