بوحدو التودغي
خلف كل خائن يموت يولد خائن جديد، وبمواصفات عصرية وبألقاب مزيفة. كنا نعتقد أن الجيلالي الزرهوني الشهير ب"بوحمارة" مات وإلى الأبد، وماتت معه حمارته، لكن الحمارة تحولت إلى "طيارة" مع زكريا المومني، البطل المزيف في "التاي بوكس"، وتحول إلى "بوحمارة" جديد لكن ناسيا أن الزمن ليس هو نفسه وأن المغرب تحول بشكل كبير، وأن بين المرحلتين زمن سارت فيه أودية كثيرة وذهبت مياه إلى مجاريها، وحلت الحماية التي تحولت مع الجنيرال نوغيس إلى استعمار مباشر، وأن المغاربة طردوا المحتل ولم يخرج بإرادته، وأنهم قادوا ثورة مشتركة تسمى ثورة الملك والشعب التي يجهلها الخونة.
"بوحمارة" الجديد ليس سوى زكريا المومني، الذي بعث رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، طالبا منه التدخل لإنصافه فيما يدعي أنه تعرض له، وكرر في الرسالة كل الأسطوانة المعروفة، والتي أصبحت متناقضة من كثرة ما كررها، حيث يزعم أنه تم اختطافه وتعذيبه، وذلك بعد احتجاجه، وبعد طلبه مقابلة جلالة الملك.
فمرة يقول إنه تمت مطاردته مباشرة بعد ظهوره في برنامج بقناة "الجزيرة" القطرية، سنة 2006، ومرة يقول إنهم أرادوا الانتقام منه بعد الاحتجاج أمام الإقامة الملكية بباريس، وفي ذلك تناقض خطير، يبين أن الرجل يتكلم فقط ويحترف تشقيق الكلام الفاضي.
ما لا يريد أن يفهمه زكريا المومني هو أن حبل الكذب قصير جدا. ومن دلالات كذبه هو إضافة عنصر جديد إلى قصته، التي أصبحت تاريخية وخيالية في ذات الوقت، فبعد أن تحدث عن محاولة ابتزازه عن طريق فبركة صور حميمية بفندق بالرباط عقب استدعائه من قبل وزير الداخلية السابق، وهي كذبة معروفة، وبعد أن تعرض للتهديد والوعيد، اليوم يقول إن امرأة اتصلت به في مقر إقامته عبر الهاتف الثابت وقدمت نفسها على أنها عنصر من الشرطة القضائية، تريد معرفة ما إن كان زكريا المومني ينام ليلا في منزله.
أمر مضحك. من يريد إيذاء المومني يطلب منه معلومات ساذجة، ولكن الساذج يعتقد أن العالم كله يشبهه، فهذه قصة بئيسة جدا ولا تخطر على بال ولا يقدم عليها من يريد أن يتخلص من المومني، الذي لا يساوي شيئا ولا يمكن أن يتعرض لأذى حتى لو دخل للمغرب، الذي يخضع للقانون.
بعد هذه الجولة مع قصة زكريا المومني الجديدة، لابد من أن نقول له إن مغرب القرن التاسع عشر ليس هو مغرب القرن الواحد والعشرين، ففي تلك الفترة التي ظهر فيها "بوحمارة" واستنجد ببريطانيا ضد الدولة المغربية، كانت الدولة تعيش نوعا من التفتت بين دولة المخزن ودولة السيبة، ورغم ذلك فشل "بوحمارة" وتم تطويفه في قفص حتى يكون عبرة.
أما المغرب اليوم فهو دولة مستقلة وقوية وفي مصاف الدول المتطورة، ونطمئن المومني أنه لن يتم تطويفه لأن هذا العهد انتهى فاليوم المغرب دولة الحق والقانون، لكن ليست الدولة التي يمكن أن يوجه إليها أحد أوامر مهما كانت صفته.