هل يمكن أن يصبح الحمار زعيماً؟
للأسف … حدث ذلك كثيرا في التاريخ، لذلك من أهم واجبات المثقف أن يحذر الناس من خطورة تسلل الحمار إلى موقع الزعامة.
حين يصبح الحمار زعيماً تختل المقاييس، وتنقلب الموازين، فيصبح الجميل قبيحاً، والجيد رديئاً، ويصاب الناس بانحطاط في أذواقهم وعاداتهم.
حين يصبح الحمار زعيماً، سترى النهيق وقد أصبح غناء جميلاً، وترى زقزقة العصافير هي أنكر الأصوات، وستجد البلابل تخفض صوتها بالتغريد خشية أن يقبض عليها جنود الحمار بتهمة تكدير السلم العام.
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد سلالات الخيل العربية الأصيلة تُعَيَّرُ بأصلها، وتجد السيسي يتطاول على المهر العربي الأصيل، وتجد البغل العقيم يطمح للزواج من الفرسة الصقلاوية صاحبة النسب، ولكن يظل الحصان العربي في عليائه، ويظل الحمار حماراً!
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد من مصلحة الحمار أن ينتشر الغباء، وأن يختفي الأذكياء من الوجود، لذلك ستجد هجرة العقول والشرفاء في ذروتها، وستجد غالبية المسؤولين وأصحاب الحظوة من فصيلة الحمار لا غير.
حين يصبح الحمار زعيماً، سترى بعينيك كيف يتحول القبح المركب إلى مقياس للجمال، وكيف يتبارى الناس في إظهار حموريتهم لينالوا رضا الزعيم الحمار.
سترى “الحمورية” منهجاً فلسفياً يدرس في أعرق الجامعات بجوار منهج الشك لديكارت، سيدرسه الطلاب على أنه الطريقة المثلى للتفكير، وسترى الأذكياء النابهين يحاولون إظهار أكبر قدر ممكن من الحماقة والغباء لكي لا توجه لهم تهمة الإساءة للذات الحمارية، أو محاولة تغيير العقيدة الحمارية للأمة، أو إنكار معلوم من الحمورية بالضرورة.
حين يصبح الحمار زعيماً، تصبح حيازة العقل جنحة، واستخدامه جناية، وتعظيمه خيانة عظمى عقوبتها الإعدام.
وكل من يحاول أن يستخدم عقله لا بد أن يتخفى عن أعين الناس، لأن كثيراً منهم تحولوا إلى حمير، سيبلغون عنه جنود الحمار، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويظنون أنهم يحمون الدولة الحمارية، ويصونون الدستور، ويدافعون عن أسمى المعاني الوطنية.
سيقولون لهؤلاء الذين يستخدمون عقولهم “حرام عليكم … دمرتم بلدنا الجميل … بلد الحمير”، أو يقولون لهم “اتقوا الله في زعيمنا … أنتم جزء من مؤامرة تقودها الخيل والليل والبيداء”، ستجدهم يرددون كلاماً لا يفهمون معناه، ولا يدركون مغزاه، فهم يا للأسف مجرد أتباع حمار.
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد عروض رفسة الحمار بديلاً عن فن الباليه، وتجد المرء يُمدح لطول أذنيه، وقبح أسنانه، وبلادة نفسه.
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد العنيد البليد ممدوحاً، وستجد كليات النفوذ مخصصة لهم ولأبنائهم، حتى يحتكر الحمير الثروة والنفوذ والسلطة … وتوكيلات البرسيم !
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد حماراً في هيئة مذيع، وحماراً في هيئة مدرس، وحماراً في هيئة أستاذ جامعي!
سترى الحمار يطل عليك في الأمسيات الثقافية في هيئة شاعر، ويتعالم عليك في المكتبات في هيئة روائي ورئيس قسم المخطوطات، وينهق في برامج المساء والسهرة لأنه مطرب شباب الحمير !
ستجد الحمار يعالجك في المستشفى من أعراض عقلك، وستجده يخطب الجمعة في مسجد الطريقة الحمارية ليعلمك دينك، وستجده يدربك على ألعاب عقلية تميت خلايا عقلك في مقررات تنمية حمارية!
حين يصبح الحمار زعيماً، سيقبل الناس بالشيء وعكسه في الوقت نفسه، فتراهم يقتلون شخصاً لجريمة، ثم يمجدون شخصاً آخر لارتكابه الجريمة نفسها، وتراهم يصدقون الأمر ونقيضه، ويتذمرون على الشيء ثم يخضعون لما هو أسوأ منه، لأنهم قبلوا أن يستحمرهم الحمار.
ستجد الناس يبلعون أي ذل مع الفول الحصاوي، ويقبلون ضرب الكرباج إذا ضمنوا حزمة برسيم آخر الليل، بل إنهم مع الوقت سيقبلون كل الإهانات حتى لو حرموا الزاد، وحتى لو أماتهم الحمار جوعاً، فهم فداء للحمورية الوطنية.
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد الشعب الواحد قد أصبح شعبين، ستجد قلة قبلت أن تسلم عقلها للحمار وجنوده وإعلامه وفنانيه وعلماء دينه ونجوم رياضته.
وستجد فئة أخرى تمردت، ولم تقبل أن تكون تابعة لحمار، وهؤلاء في النهاية ينتصرون، لأن الحمار مهما ارتقى سيظل حماراً، حتى لو تباهى ببدلته وكتبه، حتى إذا افتتح معرض الكتاب كل عام، سيظل حماراً (يحمل أسفاراً).
حين يصبح الحمار زعيماً، سيخرج من بين الفئة التي رفضت الاستحمار أناس همتهم همة الحصان العربي الأصيل، يقاومون الحمار بأن يقولوا له في وجهه علناً “ما أنت إلا حمار .. تخرجت من مدرسة الحمير .. وبمجموع الحمير .. وتاريخك في الزعامة لا يدل إلى على أنك ومن سبقك من فصيلتك مجرد حمير” !!!
حينها.. سيرى كثير من الناس كيف أنه يقف أمامهم ينهق، وأن وجهه وتصرفاته ليست إلا بلادة حمار، وحينها سيأخذ منهم (كرباج ورا)، ثم يؤخذ إلى مصيره وموقعه الطبيعي.
إذا عشت حيث الحمار زعيم إياك أن تقبل بتغيير طبيعتك من إنسان إلى حمار، بل قاوم محاولات استحمارك، ولا تصدق حميراً يعملون عند حمار، وانضم إلى الفئة الناجية التي ذكرت.
حين يصبح الحمار زعيماً، ستجد أي كاتب مسكين يتجرأ ويعلن رأيه في هذا الكائن البليد.. ستراه عرضة للبلاغات، والانتقام، والسجن.. بل قد تراه مقتولاً شهيداً في سبيل فكرة عظيمة، خلاصة هذه الفكرة أن الله قد كرم الإنسان، وأن الإنسان قد يَتَسَفَّلُ حتى يصير حماراً، ولا ينبغي أن يقبل المثقف أن يرى حماراً في سدة الحكم دون أن يقول للناس الحقيقة، ودون أن ينصحهم بما ينبغي عليهم أن يفعلوه “اعزلوا هذا الحمار فوراً وقبل فوات الأوان، فوالله إن البلد على وشك أن تحترق” !!!
اللهم إنك قد قدرت لي أن تلدني أمي إنساناً، وأن أعيش في هذه الحياة الدنيا إنساناً، فاقبضني إليك إنساناً، واحشرني إليك إنساناً، عزيزاً، مكرماً، مفضلاً على سائر الخلق بالعقل الذي وهبتنيه، ولا تجعلني في زمرة الحمير يا رب العاملين.
اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد !
اللهم آمين !