خيم الحزن على الذين في قلوبهم مرض، بعد عودة العلاقات بين الرباط وباريس إلى مجراها الطبيعي، ونزل عليهم قبول فرنسا بمبدأ مراجعة اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين كدلو ماء بارد، وصعقوا للحيوية والدينامية التي دبت في أواصر هذا المحور التقليدي، الذي لم تؤثر فيه سحابة صيف عابرة.
وبدأت فرائص الذين كانوا يراهنون على هذا "الفتور" ترتعش، خاصة وأن المغرب سبق أن تقدم بشكايات ضد بعض الجهات التي استغلت هذا التوتر لقضاء مآرب لوبيات الضغط، وتجار حقوق الإنسان، وفي هذا السياق كتب الصحفي، الذي يدعي التخصص في شؤون المغرب العربي إيغناسيو سامبريرو مقالا بالموقع الإلكتروني لجريدة "الموندو" يستكثر فيه على دولة كالمغرب ب"قدها وقديدها" رفع دعوى قضائية ضد فرنسوا بيكار، رئيس الجمعية الفرنسية "مسيحيون من أجل إلغاء عقوبة التعذيب" بباريس، حيث توصل باستدعاء من القضاء المغربي في 23 من يناير الماضي في إطار شكاية من أجل القذف وإهانة أجهزة الدولة، واستعمال الغش والتحايل من أجل الحث على الإدلاء بشهادات مزورة، وهي وقائع لا يستطيع أن ينكرها سامبريرو نفسه، أما الذي يقف وراءه فمتورط حتى النخاع.
وقد حاول الصحافي، المعروف بعدائه للمغرب، أن يربط، ببلادة، بين هذه الشكاية، والشكايات التي تقدم بها ثلاثة مواطنين من أصول مغربية وجنسيات فرنسية يزعمون فيها التعرض للتعذيب، من دون أن يقيموا أية حجة على ذلك ما عدا الضجيج المفتعل والدعم اللامشروط، الذي قدمته لهم الجمعية المشار إليها أعلاه المعروفة اختصارا بـ "أكات"، والتي نصبت نفسها طرفا للدفاع عن نصاب ومحتال (زكرياء المومني) وتاجر مخدرات (عادل المطالسي) ومجرم أحداث "أكديم إزيك" ( نعمة أسفاري).
وأورد سامبريرو كلاما للمسؤولة عن الشرق الأوسط في هذه الجمعية المسماة هيلين ليكاي، التي ادعت أن السلطات المغربية تلاحق قضائيا هذه الجمعية من أجل ترهيب الضحايا في إشارة إلى الأشخاص الثلاثة، وكأن رفع دعاوى أمام القضاء، باعتباره السلطة التي تفصل في النزاعات وتحق الحق، أصبح بمثابة ترهيب.
المغرب قرر متابعة "أكات"، لأنه يعرف جيدا الخلفيات التي تحركها، ومصدر الأموال التي تمولها، ويدرك أنها سخرت الأشخاص الثلاثة لأهداف دنيئة من أجل التشويش على صورة حقوق الإنسان، وإلا ما معنى أن ينتظر هؤلاء سنوات، تم يتقدموا فجأة، ودفعة واحدة، بشكايات تتعلق جميعها بالتعذيب، وأن تتقدم الجمعية بشكاية في نفس الموضوع.
لماذا صمتوا كل ذلك الوقت، لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها؟
واستنجدت هيلين ليكاي في تصريحاتها، بوفاء شرف، والتي اعتبرتها ضحية من ضحايا التعذيب، رغم أن الأخيرة لم تصرح قط أنها تعرضت للتعذيب، بل ادعت تعرضها للاختطاف، وهو الفعل التي أثبت التحقيق أنها لم تتعرض له قط، وإنما هو مجرد إدعاء كاذب، يخدم أجندة الأطراف التي جندت جمعية "أكات" نفسها.
وحاول سامبريرو أن يربط بين الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس، وتقديم شكايات تتعلق بمزاعم بالتعذيب، لكنه لم يتوقف في إتقان الربط وإيجاد التبرير، لذلك نقول له، إن هذه الشكايات هي مجرد قطرة في كأس، لأن الكيل كان قد طفح من قبل، لأن فرنسا لم يرضيها أن يمارس المغرب سيادته الدبلوماسية كاملة، وأن يرسم بمحض إرادته توجهاته الاقتصادية، ويمتن علاقاته مع القارة السمراء، وأن يمارس دوره كاملا في إقامة شراكات مع دول إفريقيا الغربية، فتم اللجوء لأسلوب ابتزازي ليس فقط في تبليغ استدعاء، من خلال توجه جيش من البوليس إلى إقامة سفير المغرب بباريس، وإنما أيضا في إخضاع وزير الخارجية والتعاون المغربي لتفتيش مدل بمطار "رواسي"، ومن خلال أيضا التصريحات التي أطلقها السفير الفرنسي بواشنطن والتي شبه فيها المغرب بـ "العاهرة".
إنها الحقائق التي يقفز عليها سامبريرو في مقاله البئيس، المغرب لا يريد أن تتصدق فرنسا بالحماية لمسؤوليه، لأنهم ليسوا مجرمي حرب، ولأن الدستور المغربي يجرم التعذيب، ويربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالتالي فالمغرب ليس في حاجة إلى من يعطيه الدروس في حقوق الإنسان.