كأن روحا من الأب حلت في الابن تجعل كل من يجلس مع الأخير يخال نفسه في حضرة الموسيقار محمد عبد الوهاب وليس ابنه محمد. نبرة الصوت ذاتها في الحديث حتى الجلسة وطريقة تحريك اليدين ووضع إحداها تحت الذقن، والرجل اليمنى على اليسرى، لا يبدو في الأمر أدنى تصنع أو تشبه، وإنما هي جينات الإتيكيت الاجتماعي ورثها محمد محمد عبد الوهاب عن والده،
الذي انفردت “الصباح” معه بهذا الحوار الحصري، خلال آخر زيارة له للمغرب، والذي روى الكثير من الأسرار
الخاصة بوالده منها قضية أصوله المغربية، إضافة إلى بعض من عاداته وطرائفه مع أبنائه والمقربين منه، فضلا عن علاقة نجل موسيقار الأجيال بزوجته المغربية “عائشة” التي شكلت صلة وصل بينه وبين المغرب وحضارته.
شاءت الصدف ان يكون لقاؤنا خلال الشهر نفسه الذي افتقدنا فيه محمد عبد الوهاب قبل عشرين سنة، بالنسبة إلى عشاقه لم يستشعروا هذا الغياب، لأنه ما زال حيا بينهم بفنه، أما بالنسبة إليك عبد الوهاب أب كيف تسحتضر غيابه الآن؟
والله ما أستطيع أن أقوله عن عبد الوهاب الأب، إنه “واحشني جدا”، ودائما نفكر فيه خاصة أسرته الصغيرة، إذ ما زلت أتذكر يوم وفاته قبل عشرين سنة بطعم الأسى نفسه رغم هذه المدة، أتذكر أنه فارق الروح بين ذراعي وأنا أحضنه، كان ذلك يوم 3 ماي 91، قبيل منتصف الليل، بعشرة دقائق، وبحكم أنني كنت أسكن قريبا، فقد اتصلت بي زوجة أبي السيدة نهلة ليلتها بعد أن ساءت حالته الصحية كثيرا، فحضرت على وجه السرعة، فوجدته يحتضر وفي النزع الأخير، وحاولت أن أسعفه لكن كانت كلمة القدر هي الحاسمة.
خلال المدة التي تفصلنا عن هذا التاريخ، أي خلال عشرين سنة، ماذا فعل ورثة محمد عبد الوهاب لكي يخلدوا ثرات أبيهم ويحافظوا على إرثه الفني؟
تراث محمد عبد الوهاب لحسن الحظ موجود على الملأ، منذ أن كان حيا، باستثناء تسجيلات قليلة فضل الاحتفاظ بها لنفسه، لأن الراحل كان غزير الإنتاج، فضلا عن أنه عمر طويلا، إذ تجاوز التسعين حين وفاته، وهذه الاشرطة التي لم يسبق لها ان خرجت إلى العموم، ويترواح عددها بين أربعين وخمسين شريطا، أما مقتنياته الشخصية، فتوجد بمتحف خاص به في القاهرة.
كنت واحدا من أبنائه المقربين إليه، هل كان يخصك ببعض الأسرار؟
لم أكن لوحدي مقربا منه فكل ابنائه كذلك، لكنني كنت أراه كل يوم تقريبا، وأجلس معه بعض الوقت، وكنا نتكلم في كل الأشياء، فقد كان، رحمه الله، صديقا عزيزا أكثر منه والدا، كنت أعتبره أبا ذكيا، لأنه كان صديقا لأبنائه.
هل خصك بأسرار معينة؟
نعم هناك بعض الأسرار لكنها شخصية، مرتبطة مثلا بإجراءات ما بعد وفاته، خاصة في ما يتعلق بمصير الأبناء والزوجة، أي مسائل تدبيرية عائلية.
ما هي المسائل والأمور التي كانت تشغل بال عبد الوهاب في أواخر حياته؟
محمد عبد الوهاب “طول عمره” تشغله حاجتان فقط، صحته وفنه.
حدثتنا قليلا عن طفولتك مع عبد الوهاب. كيف كان يتعامل معكم؟ كيف رباكم؟
لم نعش طفولتنا كثيرا مع والدي، بحكم أن والدتي إقبال نصار، رحمها الله، انفصلت عنه، وأنا ما زلت بالكاد في سنتي السابعة أو الثامنة، ولم أتعرف عليه كثيرا أو أحتك به عن قرب إلا في سن السابعة عشرة.
ماذا تتذكر عن سنواتك الأولى معه؟
ليس الشيء الكثير، خاصة أننا كنا في هذه الفترة منفصلين عنه في المسكن، وكنا خمسة أطفال وهذا بالنسبة إليه كان إزعاجا، لفنه وأعماله، وكانت والدتي تحرص على أن لا نقابله في كل الأوقات، حتى يتفرغ لشغله، ولا نراه إلا فترات محدودة في اليوم، وكان يسافر كثيرا رفقة والدتي، بمعنى أن بيته كان مثل أي بيت عربي عريق دائما هناك فصل بين مجال الأطفال ومجال الأب.
كيف استطاع عبد الوهاب التوفيق بين مهمتي الأب والفنان، ألم يغلب أحد الجانبين على الآخر؟
في الفترة الأخيرة من حياته، صرف عبد الوهاب اهتمامه بشؤون الأسرة، خاصة أن مجهوده الفني قلّ حينها، إضافة إلى عامل السن، وبدأنا نجد الوقت معه.
(مقاطعا) هل معنى هذا أنه كان مقصرا في البداية؟
لا أستطيع أن أقول لا، وفي الوقت نفسه لا أحسبها كذلك، لأنني شخصيا أعامل أبنائي بالطريقة نفسها، ولا أعتبر ذلك تقصيرا، ولكنني أقول إن والدي خلال العشرين سنة الأخيرة من عمره أصبحت علاقته مع أبنائه وبناته حميمية جدا، لدرجة أنها عوضت كل تقصير محتمل قبلها.
نبرة صوتك تشبه نبرة والدك إلى حد كبير، على الأقل عندما تتحدث، ألم يكن هناك توجيه من طرفه لك إلى مجال الفن؟
لا بالعكس، فهو كان يرى نفسه تعب كثيرا في الحياة، و”نحت الصخر”، كما يقال، إلى درجة أن الفن خلال الفترة التي ابتدأ فيها محمد عبد الوهاب أثناء العشرينات، كان سبة، فعانى كثيرا في سبيل إعادة الاعتبار للفن، فلم يشأ لأبنائه أن يمروا من الطريق نفسه، فضلا عن أنه كان يعتبر أن الفن “لا يدرس”، فهو شعور يولد ويسري في الدم مع مولد الإنسان، ولا سبيل إلى جعل المرء موسيقيا ما لم يكن موهوبا، وهذا لا يمنع من أن بعض أبنائه كانوا موهوبين خاصة ابنته “عائشة”، الله يرحمها، وكان يلقبها “إش إش”، كان صوتها جميلا جدا، كما أن بعض أشقائي يعزفون البيانو ومستمعين جيدين للموسيقى.
احك لنا بعض الطرائف المميزة التي جمعتك بوالدك؟
هي طرائف كثيرة، كانت تدور في مجملها حول موضوع “الصحة”، مثلا لو أنني كنت مريضا أو أحدا من إخوتي، سيما إذا تعلق الأمر بزكام أو ما شابهه، كان والدي يجري لنا اختبارات عن طريق سماعة التلفون، فمثلا عندما تحدثه هاتفيا يطلب منك أن تقول بعض العبارات يحدد من خلالها ما إذا كنت مصابا بالزكام أم لا، مثلا عبارة “ممنون”، خاصة أن أذنه كانت حساسة جدا، وعندما يستشعر أنك مريض، فإنه يطلب منك أن تقعد في بيتك ولا تراه حتى تشفى.
وأذكر أنني ذات مرة كنت “مزكوما” وجلست في البيت بما يكفي، واتصلت به وقلت له سآتي لأراك، فطلب مني أن أقول “ممنون” ورد علي “لا لم تشف بعد تماما”، فأصررت على المجيء، وكذلك كان، وعندما دخلت عليه قال لي “إيه اللي جابك؟” فقلت له “واحشتني”، وعبرت له عن رغبتي في تقبيله فأعطاني ظهره وقال لي قبله.
هل كان يقضي وقتا طويلا في سماع الموسيقى؟ وماذا كان يسمع؟
كان له برنامج يومي وطقوس خاصة في الاستماع للموسيقى، خاصة في الصباح مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم أو قبل أن ينام في المساء، يسمع كثيرا الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وأيضا الموسيقى التركية والفارسية بكثرة.
هل كان يسمع أغانيه؟
أبدا، ففي نظره ما دامت هذه الأغاني قد خرجت إلى العموم، فلم يعد يسمعها حتى لا ينتبه إلى شيء يمكن ألا يعجبه.
ما هي أكثر الأصوات التي كان يطرب لها؟
كان يطرب لمعظم الأصوات المحيطة به مثل أم كلثوم وعبد الحليم وفايزة أحمد وفيروز وفريد الأطرش، كما أن هناك أصواتا مميزة يرتاح إليها كثيرا وأصحابها يحفظون اللحن بسرعة، إذ كانت عملية التحفيظ ترهق عبد الوهاب، فالذي يسبب له إرهاقا أقل يبدو له أحسن، مثلا المطربة نجاة الصغيرة التي كانت يرتاح لها كثيرا.
(مقاطعا) ومن هي الأصوات التي كانت تتعبه؟ أو ندم على إعطائها لحنا؟
(ضاحكا) لا لن أقول، ويمكن أن تحس بها، فمثلا هناك أصوات قدم لها لحنا واحدا ولم يعاود الكرة مرة أخرى، فهذا مؤشر على أنها لم ترقه، خاصة أنه لم يكن يبوح بهاته المسائل، لأنه كان مجاملا كبيرا.
من هم الفنانين الأكثر ترددا على بيت عبد الوهاب؟
بحكم العلاقة المهنية، كان عبد الحليم حافظ أكثرهم.
هل كان يدخل في أي لحظة؟
لا يوجد أحد كان بإمكانه أن يدخل على عبد الوهاب في أي لحظة، حتى ولو كان من أبنائه، إلا بمزاجه هو.
كيف كانت علاقته بعبد الحليم؟
علاقة قوية وإنسانية، كان ينصحه كثيرا بالاهتمام بصحته، خاصة أن عبد الحليم كان مهملا لصحته، وعبد الوهاب كان عكسه تماما، إذ لا يشرب إلا “اليانسون” أو “النعناع”، ولا يقرب لا القهوة ولا الشاي أو المشروبات الكحولية ولا الدخان، ولا يأكل إلا المسلوق.
لكن هناك صور يظهر فيها عبد الوهاب ممسكا سيجارة؟
لا لم تكن سجائر بالمعنى المعروف، وإنما كان يدخن شيئا شبيها بالزفت ويسمى “القار”، لأن دخانه كان يوسع الصدر.
بمجرد ما ينتهي من لحن معين من هم الأشخاص الذين يكون لهم شرف الاستماع لأول مرة للحن الجديد؟
هناك مثلا زوجته.
(مقاطعا) وهل يثق في رأيها وملاحظتها؟
نعم إلى حدود، أما الثقة، فتأتيه من الجمهور وطريقة استقباله للعمل، أما أن نتكلم عن ثقة عبد الوهاب في إنسان ثقة عمياء خاصة في ما يتعلق بفنه، فلا أعتقد أن هذه المسألة كانت واردة، فأهم شيء عنده هو جمهوره.
هل فعلا كنت المقصود من خلال أغنية “الحبيب المجهول”؟
نعم هذا ما أكدته إلي والدتي، التي قالت لي إنها لما كانت حاملا بي، وكان والدي يرغب في أن يكون القادم ولدا، خاصة أنه سبقتني أنثى، ورغم أن الأغنية ظاهريا تبدو عاطفية إلا أنها في الحقيقة كانت معدة لانتظار مولود قادم.
في فترات متقاربة أواسط السبعينات، فقدت الساحة الغنائية العربية كلا من فريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وبعدها فايزة أحمد، أوائل الثمانينات، كيف تعامل عبد الوهاب نفسيا وفنيا مع الفراغ الذي خلفه رحيل هؤلاء؟
صراحة كان لذلك الغياب وقعا نفسيا ثقيلا عليه، خاصة مع عبد الحليم الذي كان مقربا منه مثل ابنه فضلا عن أنه كان شريكه، وأتذكر أن يوم رحيله شكل فاجعة لوالدي، سيما أن زوجة أبي كانت ترافق عبد الحليم خلال رحلته الأخيرة، وأغلق عبد الوهاب على نفسه، عدة أيام.
سر أغنية “من غير ليه”، لماذا لم يسندها لصوت آخر وفضل غناءها بنفسه؟
لأنه لم يثق في أي صوت آخر بعد عبد الحليم.
عبد الوهاب كان شديد الوسوسة مع أعماله الفنية؟
نعم لدرجة أنه كان يعيد تسجيل المقطع الواحد عشرات المرات، حتى يرضى عنه، فقد كان مُتعبا ومعلما في الآن نفسه.
حدثنا قليلا عن برنامجه اليومي، هل فعلا كان دقيقا إلى أبعد الحدود؟
كان دقيقا إلى درجة المبالغة، خاصة في ما يتعلق بصحته، كان نومه قليلا، و”يصحى” حوالي التاسعة صباحا، ويظل قاعدا في السرير إلى حدود الحادية عشرة، ويأخذ إفطاره الذي يشتمل على اليانسون، ويهيئ نفسه ل”الطقوس” بما فيها الحمام ولا يستقبل لا مكالمات ولا أي أحد إلا في حالات نادرة جدا وبميعاد مسبق، ثم يبدأ شغله، بعد الزوال، عن طريق التلفون لمتابعة أعماله وشركته، وهو دائما في حالة ولادة، الوسوسة لم تكن في ألحانه فقط بل في كل تفاصيل حياته.
هل كان صارما مع أبنائه؟
في البداية كان هناك نوع من الديكتاتورية، حتى نحافظ على اسمه سيما أنه كان يهتم كثيرا بسمعته، ولما كبرنا، نسبيا، بدأ يؤسس نوعا من الصداقة العميقة مع أبنائه.
وبالنسبة إلى توجيه أبنائه في الحياة؟
كان يترك لنا حرية الاختيار وهي حرية مكفولة إلا في ما يصطدم بسمعته.
هل سبق لك أن اصطدمت معه؟ أو مارس عليك ديكتاتورية الأب؟
لا نادرا، في مرة واحدة، عندما أنهيت دراستي الثانوية، وكنت أرغب في دراسة الهندسة في الوقت الذي كان يرغب في أن أتوجه إلى الطب، وتعارضت الرغبتان، فأقنعته بجملة واحدة هي “إن دخلت كلية الطب سأفشل وسأقول إنك السبب في فشلي وهل يرضيك هذا؟”.
علاقته مع بناته هل كان محافظا أم عكس ذلك؟
كان إنسانا متطورا وحداثيا ليس في موسيقاه فقط، بل أيضا في علاقته مع بناته، أما الأبناء الذكور فقد كان يمكنه أن يتحدث معهم في كل شيء يمكن أن تتخيله.
ماهي الأكلات التي كان يحبها عبد الوهاب؟
كان يحب الفول المدمس والأكلات الشعبية، عبد الوهاب طيلة 45 سنة يأكل المسلوق، وكان أكولا ومنظما إلى درجة أنه يشهيك، بطريقة أكله، إلى أن تشاركه الأكل حتى ولو لم تكن في حاجة لذلك.
تحدث البعض عن أصول مغربية لعبد الوهاب؟
هذه المسألة اكتشفتها شخصيا بعد وفاته ولا أدري إن كان هو، رحمه الله يعلمها أم لا، فوالدي هو أحد أحفاد الشيخ الشعراني، وهذه المسألة موثقة في نقابة الأشراف بالقاهرة، بمنطقة باب الشعرية حيث ولد عبد الوهاب، ووجدت عن طريق البحث والتنقيب أن أصول هذا الشيخ مغربية من مدينة فاس، فمعنى هذا أن عبد الوهاب الذي ينتسب إلى الشيخ الشعراني أصوله أيضا من فاس، وهذه المسألة ليست غريبة إذ لدينا عائلات كثيرة مصرية أصولها من المغرب.
بالنسبة إلى الأعمال الدرامية من أجل سيرة عبد الوهاب؟
هناك اتفاق مع شركة من أجل هذا الغرض منذ حوالي سنتين، سيما أن التحضير لسيرة شخصية مثل عبد الوهاب بذلك الزخم الذي تمثله يتطلب تحضيرا خاصا، فالحديث عن أي فنان من خلال أعمال درامية مثلما تريد بعض شركات الإنتاج وأغلبها يبحث عن الربح المادي، يتطلب التطرق إلى جوانب شخصية في حياة هذا الفنان، وهذا بالضرورة يؤدي إلى استحضار سير أشخاص كانت لهم صلة به قد لا يكونون بالضرورة فنانين، منهم مثلا والدتي أو زوجته أو ابناؤه وهنا ندخل منطقة محظورة.
لكن الملاحظ أن ورثة المشاهير دائما يرومون تقديم هؤلاء وكأنهم ملائكة لا يخطئون؟
هذا غلط كبير، فمثلا في اتفاقنا مع الشركة المذكورة، اتفقنا على تناول سيرة عبد الوهاب الإنسان بعيوبه ومميزاته، فالراحل كان إنسانا وليس ملاكا.
ما رأيك في الأعمال التي تناولت سير مشاهير مثل أم كلثوم وعبد الحليم واسمهان؟
في الحقيقة لم أرها، فمنذ أن شاهدت واحدة من حلقات مسلسل أم كلثوم، وظهر فيها عبد الوهاب، لم يرقني الأمر خاصة أنني رأيت شخصا آخر لا علاقة له بعبد الوهاب، فأحجمت عن رؤية باقي الأعمال.
علاقة محمد عبد الوهاب بالمغرب؟
كان يحدثني كثيرا عن شخصية الراحل الحسن الثاني، إذ كان عبد الوهاب مبهورا بها، وشعرت أنه لم يكن يتكلم عن ملك فقط بل شخصية سياسية واجتماعية وفنان، ولم يكن من السهل أن يُبهر شخص ما عبد الوهاب، وأعتقد أن التقدير كان متبادلا بينهما. كما اذكر أن والدي كان يقول لي إن الأغنية المغربية هي التي أثرت في الأندلس وليس العكس، أو أن الفلامكنو أصله من المغرب.
حدثنا قليلا عن نفسك وكيف اخترت مجال الهندسة؟
كنت منذ الطفولة أرسم جيدا، وتأثرت بخالي الذي كان بدوره مهندسا معماريا.
وعلاقتك بالموسيقى؟
الموسيقى في دمي، خاصة الموسيقى العالمية، وكل الأنواع الموسيقية وحاليا أسمع الموسيقى المغربية التي راكمت صداقات مع رموزها منهم عبد الوهاب الدكالي وهو صديق عزيز، كما اسمع الموسيقى القديمة والتواشيح.
ماذا عن مسارك المهني؟
تابعت دراستي في القاهرة، وتلقيت تدريبا في أوربا.
وعلاقتك بالمغرب؟
أنا متزوج من مغربية حببتني إلى هذا البلد، سيما أنها كانت مقيمة بالقاهرة منذ 12 سنة، وكانت وضعيتانا الاجتماعيتان متشابهة، إذ كنت مطلقا، فحدث الارتباط والزواج منذ 6 سنوات، ووجدت أن نظرة المرأة المغربية إلى الأسرة تلائمني، وعن طريقها تعرفت على المغرب وبهرت بثقافة المغرب وحضارته.
علاقتك بمشاهير المغرب وفنانيه؟
هي علاقة بالفنان عبد الوهاب الدكالي، قبل أن أتزوج بمغربية، إذ كان صديقا لوالدي، وكان يزوره بين الفينة والأخرى.
ما هي الأشياء التي لفتت انتباهك في المغرب؟
العمارة، رغم أن العمارة المصرية عريقة، لكنها ليست منفتحة على البعد الإنساني، لكن العمارة المغربية عمارة إنسانية منذ عشرات القرون، مستعملة ومتطورة، مثل الرياضات والقباب ويمكنها أن تكون مطعمة بالعمارة الحديثة، العمارة عندكم شيء مبهر.
عبد الوهاب وطقوس"الخاطر الموسيقي"
كيف كنتم تعايشون معه مخاضات ميلاد أعماله الإبداعية؟
في الوقت الذي يكون فيه عبد الوهاب بصدد لحن جديد خاصة في مراحله الجنينية، يصبح غريب الأطوار، قد يكون جالسا وسط العائلة أو مع الأصدقاء، لكن بمجرد ما تداهمه الفكرة، حتى يترك الجميع وينصرف، وعندما يكون بصدد تحفيظ اللحن لنفسه أو لغيره، أو يجري البروفات وينقح عملا، من المستحسن أن لا يقترب منه أحد، إذ يصبح في حالة نفسية عصبية جدا. ولم يكن يسمي ما يأتيه “إلهاما”، لأنه يقول إن “الإلهام والوحي من اختصاص الأنبياء، أما هذا فأسميه خاطرا”، وقد يأتيه في أي لحظة وفي أي مكان، ففي ما قبل لم تكن هناك أشرطة، فكان يأتي بورقة ويخط عليها الخطوط الخمسة الخاصة بالسلم الموسيقي، ويشرع في تدوين الجمل الموسيقية. وأذكر أنني ذات مرة في طفولتي كنت راكبا معه في السيارة، وداهمه “خاطر موسيقي” فقال للسائق قف عند أي مكان وابحث لي عن ورقة، فلم يجدوا أمامهم سوى لحام (جزار)، وجلب الورق الذي يوضع فيه اللحم وشرع في تدوين ما جاءه، لكن في ما بعد كان يسجل كل ما يأتيه على أشرطة كاسيت، وما زالت العديد من الأشرطة من هذا القبيل ناهزت الثلاثمائة شريط منها ما خرج للتداول العمومي بين عشاقه، ومنها ما تتضمن مجرد خواطر لا تربو إلى ألحان.
أجرى الحوار: عزيز المجدوب
جريدة الصباح.