توشيح ثلاثة مواطنين، واحد مسلم والثاني يهودي والثالث مسيحي، من قبل أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حدث غير عادي في وضع دولي مضطرب موسوم بوجود تيارات تسمم العلاقة بين أتباع الديانات الثلاث، وتتخذ من الأديان وقودا للحرب، التي يقودها في الغالب غير المتدينين. ومن حيث الشكل هناك دلالة أخرى على التميز المغربي والانفتاح من خلال تمثيل الأميرة للا مريم لجلالة الملك في حفل التوشيح، الذي هم خليل مرون إمام مسجد إيفري، وميشيل سرفاتي حاخام ريس-أورانجيس، وميشيل دوبوست أسقف إيفري، الذين أنعم عليهم أمير المؤمنين بوسام العرش من درجة ضابط. توشيح أتباع ثلاث ديانات في فرصة واحدة، رسالة موجهة إلى العالم، وهو أن محاربة التطرف لا تتم إلا عن طريق نشر ثقافة التسامح، فالطرق الأخرى الأمنية والسياسية والجيوسياسية هي مجرد أدوات للحماية لكنها غير قادرة على اجتثاث جرثومة الإرهاب أبدا. ومن هذا المنطلق جاءت رسالة أمير المؤمنين لتقول للعالم إن عالما آخر ممكن، عالم التعايش السلمي بين أتباع الديانات، وعالم العيش المشترك تحت سقف واحد مهما كانت العقائد والمذاهب. فثقافة التسامح المغربية ضرورية في عالم تتجاذبه التيارات ويتم فيه الاستغلال البشع للديانات والمعتقدات، فالإسلام لا تمثله داعش، الكافرة بالله والإنسان، واليهودية لا يمكن أن تمثلها الصهيونية الملحدة، والنصرانية لا تمثلها بتاتا الصهيونية المسيحية، ولكن على عقلاء الأديان الثلاث البحث عن جذور الرحمة الإلهية التي شملت كل الناس و"ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، والبحث عن جذور التيارات العنيفة، التي تبتر النصوص عن سياقاتها وتخرجها عن مقاصدها خدمة لأهداف سياسية ضيقة. التوشيح دليل على أن المغرب بلد التسامح، والتعايش بين الأديان، والبلد الذي يدل على الانفتاح، ليس توظيفا سياسيا مرحليا ولكنه أصالة تاريخية، ومكتسبات من تفاعل طويل للثقافات، التي اعترف بها الدستور المغربي، الإفريقية والعبرية والحسانية والعربية والأمازيغية والإسلامية، وكثير من البلدان حُرمت هذا الغنى الكبير، الذي حبا به الله المغرب. لقد عاش اليهود مغاربة، وحتى بعد الهجرة ظلوا مغاربة قلبا وقالبا ويدافعون عن وطنهم أينما وجدوا في مؤسسات العالم الكبرى، ولم يتخلوا عنه بتاتا، لأنه بلد الأجداد، حيث عاش اليهود قرونا من الزمن فوق هذه الأرض، وبعد نكبة الأندلس لم يجدوا وطنا بديلا غير المغرب، الذي استقبلهم إلى جانب إخوانهم المسلمين الموريسكيين، فجمعوا بين الثقافة الأندلسية واليهودية والإسلامية والمغربية. وفي العصر الحاضر لا يوجد كتاب في التاريخ يتحدث عن مأساة اليهود دون أن يتحدث عن الدور الذي لعبه الملك الراحل محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة من بطش النازية. هذا هو الدور الجامع الذي تلعبه إمارة المؤمنين في حماية أتباع الديانات الثلاث، حيث تحمي دور العبادة وتحمي المقابر والمآثر والخصوصيات التي احتفظ بها أتباع الأديان السماوية في انسجام وتناغم ما أحوج العالم إليه اليوم.