بعد أن كشف الاتحاد الأوربي الغطاء السميك عن حقيقة المساعدات الإنسانية التي كانت توجّه للمحتجزين في مخيمات تندوف، وسقوط القناع عن وجه اللصوص القابعين في "جبهة البوليساريو" الذين ظلوا، طيلة سنوات طويلة، يستولون على حصة الأسد من تلك المساعدات لأقرباء زعيم العصابة والمقرّبين والموالين لخط الانفصال، ويقدمون الفتات للمحتجزين ضدا عن إرادتهم في مخيمات البؤس والعار، انتبه هؤلاء المحتجزون إلى الخدعة الكبرى التي ظلت "البوليساريو" تمارسها عليهم بدون أدنى شفقة ولا وازع. وفي كل مرة يتساءلون عن السر في هذه المعاناة الطويلة التي لا يظهر أيّ أفق لنهايتها، يرد كبير العصابة بأن "الثورة" في خطر، وأن أيّ نقاش أو تساؤل حول الشأن العام بصفة عامة، وما يجري في المخيمات على وجه الخصوص، أمر غير مناسب في الوقت الحالي، متذرعا بوجود "مؤامرة" للقضاء على "الثورة"، وكذا التشويش على "المنجزات" التي تقوم بها جبهة الانفصاليين من أجل تحقيق حلم "الجمهورية الصحراوية". وفي كل مرة، يتدخل كبير العصابة ليضع حدا لأيّ حركة أو تحرك، ولا يتردد في قمع أيّ استفسار من طرف المحتجزين خاصة ما يتعلق بخلوده في منصب زعامة سرقها أيضا من صحراويين لم يكونوا يرمون إلى الانفصال أو يؤمنوا به حتى خلا له الجو ليحكم بالحديد والنار ويبسط نفوذه وسيطرته، بتعاون مع كتائبه، من أجل تنفيذ أجندة من نصّبوه "رئيسا" على "جمهورية البوليساريو الجزائرية". الآن، اتضح للمحتجزين بشكل قوي حقيقة "المؤامرة" ليجدها في تقرير الاتحاد الأوربي الذي لم يتردد في القول إن المساعدات الإنسانية لا يستفيد منها المحتجزون بقدر ما يستفيد منها أعضاء فيلق عبد العزيز الذين ظهرت عليهم آثار النعمة والثراء فأصبحوا من أغنياء القوم لهم ممتلكات عقارية وتجارية هنا وهناك نتيجة العائدات التي يدرّها عليهم الأصل التجاري الذي يحمل اسم "المساعدات الإنسانية للمحتجزين الصحراويين". وإزاء هذه الفضيحة المدوية، لم تجد "البوليساريو" سوى الكذب كأفضل وسيلة لذر الرماد في العيون، ودفعت بمن يسمى رئيس الهلال الأحمر الصحراوي لتفنيد خبر تحويل المساعدات جملة وتفصيلا، مع أنه يعرف جيدا وجود فرع داخل هذه المؤسسة تعمل خارج أية رقابة للهيئات الدولية، باسم "إدارة المطالب" التي تستفيد من هذه المساعدات التي يتم استعمالها للتحكّم في الوضع داخل تندوف، إلى جانب السيطرة المطلقة لزعيم العصابة على ما يسمى "بيت مال البوليساريو" عن طريق مديرية المالية بالجزائر. هذه القبضة الحديدية على المساعدات والعائدات الناتجة من مداخيل التهريب في السيارات والمخدرات والسلاح والبشر والممتلكات العقارية والتجارية، أوهمت القيادة الفاسدة أنها في مأمن من أيّ تسرّب أو بروز للحقيقة، وهو ما سيدفع مواطنين صحراويين إلى تقديم هذه المعلومات المهمة إلى مؤسسة كبرى مثل الاتحاد الأوربي الذي سمّى الأشياء بمسمياتها، الأمر الذي جعل عصابة اللصوص التي تزعم الدفاع عن "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"، في موقف بالغ الحساسية والحرج، خاصة أن أمرها افتضح أمام العالمين، وأصبح الرأي العام الدولي يعرف حقيقة من يتاجرون بآلام ومعاناة أشخاص أبرياء تم احتجازهم واقتيادهم بالقوة نحو مخيمات تندوف خصصها النظام الجزائري وحوّلها إلى قاعدة لجماعة "البوليساريو" لممارسة ساديتهم على مواطنين عزّل. أكثر من ذلك، يعرف المحتجزون أنهم لا يتوصلون سوى بالفتات من تلك المساعدات؛ ويعرفون أن "قيادتهم" متورطة حتى النخاع في تحويل هذه المساعدات لقضاء مآرب شخصية؛ ويعرفون أن تلك القيادة هي التي ترسل حصة هامة من المساعدات لعرضها للبيع في أسواق بموريتانيا ومالي والنيجر وغيرها من دول المنطقة؛ كما لا يترددون في وصف "رئيسهم" المفروض عليهم بأنه مجرد "زعيم لعصابة من المحتالين"، وهو ما أكده الاتحاد الأوربي مؤخرا؛ ويعرفون أن المساعدات المخصصة لهم تذهب إلى المقربين وأتباع الجبهة؛ويعرفون أن مركّب الدواجن بـ"النخيلة"، الذي ورد في التقرير الأوربي، يتم تمويله بالكامل من المساعدات الإنسانية؛ ويعرفون أن عبد العزيز وجماعته هم الذين يبيعون ما ينتجه هذا المركّب، من بيض ولحوم دواجن، داخل الجزائر؛ ويعرفون أيضا أن قيادة الانفصال هي التي أشرفت على إرسال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى من يطلقون عليه اسم "بطل مسرحية اكجيجمات" خلال مشاركته في الانتخابات ببلدة بئر أمكرين بموريتانيا. ولائحة تحويل وسرقة المساعدات طويلة، بينما حبل الكذب ـ على المحتجزين قبل غيرهم ـ قصير جدا.. شيء لا بد من الإشارة إليه هو أن هذه الفضيحة المدوية لم ينشرها المعارضون لطغمة "البوليساريو"، ولا حركات المحتجزين داخل تندوف، ولا حركة شباب التغيير الذين يطالبون برحيل عصابة الفاسدين، ولا حتى من طرف معارضي الانفصال في الداخل والخارج، بل من طرف تقرير مكتب محاربة الاحتيال التابع للاتحاد الأوربي، وعمّمت وكالة الأنباء الفرنسية نشره على نطاق واسع، بينما خجلت وكالة الأنباء الجزائرية والأبواق التي تنقل عنها من الحديث عن عمليات السرقة والاختلاس والاحتيال وتحويل المساعدات الإنسانية التي تتم على مرأى ومسمع من الجزائريين.