في الوقت الذي كان فرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، يشارك في ذكرى المحرقة، التي مارستها ألمانيا النازية ضد اليهود، والتي استغلتها الصهيونية العالمية المعروفة باللا دينية لتؤسس على رمادها دولة إسرائيل وتقتلع شعبا بأكمله من أرضه، كانت هناك جرائم يتم طمرها في التراب قصد نسيانها وإلى الأبد. ويتعلق الأمر بالجرائم التي ارتكبها أجداده وآباؤه بالمغرب. الصحافة الفرنسية كلها صدرت تتحدث عن أوشفيتز، لكن ليس بمقدور أي فرنسي أن يتحدث غير الرواية الرسمية، وإلا سيتم متابعته قانونيا، فمن فرط إصدار القوانين، أصبح التاريخ مقدسا، والشهود كلهم كانوا أطفالا، مع العلم أن التاريخ روايات متعددة يقوم المؤرخ بتمحيصها ومقارنتها حتى يخلص إلى نتيجة نسبية. لكن المحرقة اليوم من ممنوعات التداول الفرنسي، في حين أطلقت فرنسا اليد للإساءة لنبي الإسلام وليس للتاريخ الإسلامي فقط، وكان على فرنسا بلد التعدد الثقافي أن توازن بين الأديان من حيث الوجود، لكن الصهيونية التي تتحكم في دواليب دول كثيرة من العالم، منعت الحديث عن المحرقة ويعتبر جريمة. فرنسا التي لا تريد الحديث عن المحرقة، حتى لا يتم وضعها في سياقها التاريخي والسياسي والحربي، لأن الصهيونية اعتبرتها أسطورة بنت عليها دولة على حساب محرقة أخرى ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني، حيث تم قتله وترحيله واقتلاعه من جذوره، وتم توزيعه على السجون والمنافي والتيه التاريخي الكبير، فرنسا هذه لا تستحي من تاريخ الدماء الذي مارسته في الدول المستعمرة سابقا. بيننا وبين فرنسا تاريخ من الدم والقهر والقتل والاستغلال البشع. لقد احتالت فرنسا على المغرب، فالذي ربط بين المغرب وفرنسا سنة 1912 هو عقد حماية، ومفهومه الأساسي هو أن تقوم فرنسا بمساعدة المغرب تقنيا وعسكريا من أجل التغلب على عوائق التخلف، وأن تكتفي فرنسا ببعث اختصاصيين لتدريب المغاربة، وكانت هذه رؤية الماريشال ليوطي، لكن مع وصول المقيم العام ثيودور ستيغ تغير كل شيء وبدأت حركة استيطان خطيرة. لم تتم حركة الاستيطان بسهولة ولكن جاءت بعد عنف دموي مارسه المقيم العام، حيث أطلق يد عساكره للفتك بالمغاربة، ومارست السلطات الفرنسية القتل بشتى أنواعه، لكنها بالمقابل واجهت مقاومة باسلة من الأهالي، الذين تفطنوا لتحول الحماية إلى احتلال عسكري، حيث تحول المقيم العام من ممثل للدولة الفرنسية بالمغرب إلى حاكم عسكري متجاوزا للشرعية والأعراف والاتفاقيات. وقامت فرنسا بنهب خيرات المغرب، ولا نطلب منها اليوم أن تعيد ما سلبته ولكن أن يقوم الأحفاد بالاعتذار نيابة عن الأجداد الدمويين، الذين ما كانوا ليخرجوا لولا الضربات القاتلة التي تلقوها في معارك ما زال التاريخ يشهد عليها في كل ربوع المملكة في الأطلس والجنوب وفي الشاوية التي حاصرت فرنسا خمس سنوات بالدارالبيضاء، وما زال التاريخ يسطر تلك البطولات بمداد من المجد الأبدي. فرنسا ينبغي أن تمسح عن نفسها تاريخ العار بدل التذلل للكيان الصهيوني الغاصب.
النهار المغربية.