كنا مجموعة من مشجعي الكرة في الدار البيضاء يوم الثلاثاء الفارط، ضبطنا أنفسنا نتمنى فوز السنغال على الجزائر رغم أن دكار أبعد عنا من تلمسان ومغنية والبليدة، وبقية مدن الجزائر التي نراها رؤى العين من السعيدية أو من حدود وجدة مع بلادنا.
لم نجرؤ أن نسأل أنفسنا : لماذا سنتمنى الفوز لأبناء دكار، وسنحزن لأن الجزائريين تأهلوا رغم أن المفروض، المنطقي، العقلاني، العاطفي، هو أن نفرح لتأهل فغولي ومن معه، لأنهم يشبهوننا في كل شيئ؟”
لم نجرؤ على السؤال، لأن الجواب لدينا جاهز وواضح: حكام الجزائر استطاعوا أن يقيموا بيننا وبين هذا البلد الجار مايفوق الحدود التي يصرون على تركها مغلقة إلى آخر الأيام.
حكام الجزائر تمكنوا، وهم يجعلون من عدائهم للمغرب محرك كل شيء فيهم، أن يدفعونا دفعا إلى كرههم وكره كل شيء يأتي من جهتهم، ولو كان الأمر متعلقا بمنتخب للكرة سيفرح له فقراء الجزائر أكثر مما سيفرح له متنفذوها، وسيخرجون من أجله في الشوارع لكي يغنوا التأهل والانتصار رغم أن حالتهم لا تدعو لفرح على الإطلاق.
سايرت شعوري الأول، البدائي أنني أرغب في رؤية السنغال تنتصر لئلا يفرح إعلام العسكر في الجزائر، ثم وجدتني بعد اللقاء أسأل نفسي “ألم يكن جديرا بي أن أسمو، أن أرتفع وأنا المغربي عن هذا الشعور “الحيواني”، وأن أتمنى الفوز لمن يشبهونني؟”
في الرد الأول، الذي تلقيته من الحاضرين معي في المكان الذي شاهدت فيه اللقاء، تسمع كلمات من قبيل “هذا البلد صبر كثيرا على الجزائر، وتحمل بذاءات حكامها، وقال دوما فرح الجزائريين هو فرحي، وترحهم أيضا هو ترحي، لكن أبدا لم تأتنا الآية مقلوبة على الإطلاق”.
العكس هو الذي كان يحصل على الدوام. أهل الحكم هناك، ضدا على إرداة شعبهم جعلوا من المغرب عدوهم الأول والأخير. قد يصادقون إسرائيل، قد يمدون اليد إلى أي بلد في الكون إلا المغرب، إلا هذا الجار القريب منهم الذي لم يصنع معهم طوال تاريخه وتاريخهم إلا الخير.
عطلنا استقلالنا والمصادقة عليه إلى أن تحررت الجزائر.
لم نركز كثيرا في تقسيم الأرض بيننا وبينهم لأننا اعتبرناهم إخوة لن يسرقوا شبرا من أرض هي لهم ولنا في الختام.
اعتبرنا ثروتنا ثروتهم، وقلنا في يوم من الأيام ستستفيق الجزائر على الاقتناع الأخير أن المستقبل يصنع بنا وبها في المنطقة، وأننا جميعا ملزمون بالتعاون لما فيه خير البلدين.
قلنا لأنفسنا لسنوات عديدة “سيستوعبون يوما ما مايفعلونه من ضرر لنا ولهم، وسيتراجعون”، لكنهم أبدا لم يفعلوا ذلك.
ظل المغرب بالنسبة لهم البلد اللازم الإسقاط وبأي شكل من الأشكال.
مولوا خونتنا.
دعموا انفصاليينا.
حلموا بأن يقتطعوا من ترابنا أقدس أجزائه وأن يقيموا فيها دولة وهمه.
سخروا خيرات شعبهم لكي يمولوا كل من يريد بالمغبر سوءا.
جعلوا العمود الفقري لسياستهم الخارجيةمعاداة المغرب، وجازوا كل الدول التي انحنت لطلبهم، وخاصموا كل من قال لهم يوما إن ماتفعلونه هراء في هراء
في الختام كيف كانت النتيجة، ونحن هنا لا نتحدث عن نتيجة مباراة في الكرة؟
كانت سلبية لهم من البدء وحتى النهاية.
شعبهم فهم المقلب وقال لهم المغاربة لم ولن يكونوا أبدا أعداء لنا.
في لثغة الكلمات بيننا وبينهم شبه كبير. في الأعين، في الملامح، في السحنات في قليل من الطباع انتماء مشترك لامعنى للتضحية به من أجل عيون الجنرالات، لكن الحكام هناك لم يكترثوا لصرخات الشعبين في الضفتين، وواصلو العداء إلى أن كان ماكان.
أول أمس الثلاثاء كنت في مكان عمومي وعام بين مغاربة كثر. أراهم يقفزون لكل محاولة يقوم بها منتخب السنغال، وأراهم يغضبون لأي هدف سجله الجزائريون، وكنت مع هؤلاء المغاربة قلبا وقالبا، مثلهم تماما، ولا حاجة للكذب أو النفاق في هذا الموضوع، لكنني سألت نفسي طوال اللقاء “علاش؟”
وجدت الجواب أو بعضا من بداية الجواب في اقترافات السياسة، في التفرقة التي تزرعها بين الشعوب، في اللعبة الخبيثة التي تقوم على أساس أن زرع الخلاف وإن كان وهميا بين الناس هو السبيل الوحيد للتمكن من البقاء في الحكم لمن كان في وضعية مترهلي العسكر من أهل الجزائر
ومع ذلك نقولها: في دواخل الدواخل منا، هناك في ركن قصي لا نريد له الظهور الآن على الأقل نحن نفرح لفرح الجزائريين (الشعب طبعا) ونحزن لحزنهم، ونعتبرهم مثلنا تماما يستحقون كل خير لولا السياسة اللعينة وماتفعله في الشعوب.
وغدا أو بعد غد، أو بعد أشهر أو بعد سنوات أو بعد عقود، حين ستتخلص الجزائر من كوابيس الترهل التي ورثتها عن حقبة الاستعمار، وحين ستستعيد الرونق واليفاعة اللذان ميزا دائما هاته البيضاء الكبيرة، سينتبه الناس هنا وهناك أن مايجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، وأن الختام لن يكون إلا لوحدة الأشقاء، شرط التخلص من الخونة، شرط الانتهاء ممن يبيعون انتماء الوطن مقابل بعض المال.
الجزائر لن تكون أبدا عدوتنا هنا في المغرب. حكامها الحاليون يتعاملون معنا بسوء ونحن قادرون على مواجهتهم وردهم والرد عليهم دوما، لكن في يوم من الأيام سنستعيد هاته الجزائر إلينا، ستعود بكامل نقائها وبهائها وبياضها إلى المكان المغاربي الكبير.
سنشاهد منتخبها الكروي كما لو أننا نشاهد منتخبنا ولن نتمنى لها إلا كل خير.
في انتظار ذلك لنعترف بها الآن : أولئك السنغاليون اللطفاء، وهم قوم يعشقون المغرب حتى الثمالة، كانوا يستحقون مصيرا أفضل من الإقصاء على يد منتخب سيطبل به العسكر إلى غاية الانتهاء من هاته الكأس والبحث عن ملهاة أخرى لشعب الجزائر العظيم .
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق.
انتصار عين العرب أو كوباني مثلما يسميها الأكراد على داعش، وطردهم من المدينة /الرمز، وإعلاء راية الحرية هناك يقول الشيء الكثير عن مصير الحرب ضد الإرهابيين، ويقول الشيء الأكثر عن دور نساء المدينة في حمل السلاح وطرد من يريدون العودة بهن إلى القرون الأولى للحياة.
في الانتصار معان كبيرة، عسى ألا تسقط مع تواتر الأحاديث عن استعداد الدواعش للانقضاض عليها مجددا.
المختار الغزيوي.