لابد من بعض الهدوء قليلا لكي نفهم ونستوعب جيدا ماوقع الجمعة، وماتريده قناة “فرانس 24″ من المغرب بالتحديد: هذه القناة التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية تريد من المغرب أن يسمح لها بالتصوير فوق أرضه دون حاجة لإذن بالتصوير، دون ترخيص. الأمر طيب ولا مشكل فيه لأن المغرب بلد متفتح وقادر على استيعاب كل الأمور.
القناة أيضا تريد أن تستضيف كل ساعة وكل حين الملاكم المبتز زكريا المومني لكي يسب من شاشتها المغرب ورموزه ولكي يتهم مسؤوليه بكل التهم التي تخطر له على بال.
مرة أخرى لا مشكل، المغرب بلد متفتح وهو ليس مثل فرنسا التي اغتاظت من قناة “فوكس نيوز” لأنها بثت عنها كلاما اعتبرته الصديقة فرنسا غير صحيح واضطرت معه عمدة باريس شخصيا آن هيدالغو، (اليسارية المشبعة بقيم التقدمية وقبول الآراء الأخرى وإن كانت كاذبة وظالمة) إلى الإعلان عبر “سي إن إن” أنها ستقاضي القناة الأمريكية الأكثر مشاهدة في أمريكا أي فوكس نيوز، وأنها لن تقبل بأقل من التعويض الكبير عن كل الضرر الذي مس “خالتنا” فرنسا في كبريائها وفوكس نيوز تبث تقريرا عن انتشار الجهاديين في باريس.
مرة أخرى، “هانية”. فرانس 24 أيضا تريد أن تستضيف من المغرب من تتصورهم يمثلون المغرب، وهذا حقها، حتى وإن كانت تضطر كل مرة لاستضافة أصوات يتساءل الناس هنا في المغرب عن سبب التركيز عليها، وعن مدى تمثيلها لشيء ما في المغرب، بل وأحيانا عن مدى جاهزيتها للمرور في برامج حوارية وتلفزيونية تتطلب الشيء الكثير من الإتقان.
مرة أخرى لا مشكل. المغرب بلد يتفهم، وهو يعرف أن القناة يسيرها من باريس لوبي جزائري يتحكم حتى في بعض رؤساء تحريرها المغاربة، ويفرض عليهم أجندة من نوع خاص هي التي تصل إلى الشاشة في نهاية المطاف.
فرانس 24 تريد أن تلقننا كل يوم من علياء شاشتها الديمقراطية مثلما تتصورها هي، وتريد أن تناقش مشاكلنا، ولها الحق في ذلك مادام التلفزيون المغربي غير قادر على نقل هذا النقاش الداخلي إلى وعلى شاشاته، وتريد أن تعلمنا كيف نتعامل في كل شؤون السياسة، وتريد منا أن نكون التلميذ النجيب الذي يحرك رأسه دائما إلى فوق وإلى تحت دلالة الموافقة على كل شيء وإلا قالت عنا أشياء معيبة، وسفهت كل مانقوم به من الخطوات.
مرة أخرى، لا بأس ولا إشكال، فقد تعودنا في المغرب على عجرفة الفرنسيين، ونعرف طباعهم، ونعرف نقاط الضعف الصغيرة التي يعانون منها، ونعرف متى يجب أن نقول لهم “أحسنتم”، وندرك جيدا متى يجب أن نقول لهم “أحسنتم مرة أخرى”، لأنهم لا يتحملون منا كلمة “أسأتم أبدا”.
فرانس 24 تريد كل هذا وأكثر، وأتذكر أن كاتب هاته الأسطر حين مر في هاته القناة منذ حوالي السنتين, سمع من رئيس تحرير هناك جملة ظلت عالقة في ذهنه عن ضرورة مراعاة التوازن وعدم الاقتصار على استدعاء صحافيين مقربين من الدولة، لذلك أصر ذلك المسؤول في تلك القناة على استضافة صحافي وصفه ب”المعارض” لكن لم تتم له الخطوة إلى نهايتها وبقيت أبحث منذ ذلك اليوم في كل أبجديات مهنة الصحافة عن معنى عبارة “صحافي معارض” وللحق لم أجد لحد الآن، لكنني لازلت في طور البحث والتنقيب.
تماما مثلما لم أفهم عبارة “مقرب من الدولة” ، واعتبرت أن العبارة موجهة لي وابتسمت خصوصا وأنني أعرف أنني مقرب من أسرتي الصغيرة فقط، لكن لا بأس مرة. لا أحد يكترث لهؤلاء القوم، وهم لديهم الحق في أن يفعلوا وأن يقولوا مايريدون، ونحن لا حق لنا في الاحتجاج عليهم مهما كان. ألم نكن دائما محمييهم؟ ألم يكونوا دائما مستعمرينا؟ إذن لا بأس والسلام.
أخيرا فرانس 24 تريد أن تصور دون ترخيص في المغرب، وهي تستغرب في بيانها الصادر بخصوص ماوقع الجمعة أنها تقوم بهذا الأمر منذ القديم ولا أحد طالبها بشيء إلى أن أتى يوم الجمعة الأخير.
لنذكر الكل أنني أنا الصحافي المغربي (المقرب من الدولة حسب تعبير الآخر) ملزم مثل بقية الصحافيين المغاربة الآخرين، بالحصول على ترخيص للتصوير في وطني وإلا وقعت تحت طائلة القانون. ولنذكر من يريد التذكر أن هذا الإجراء القانوني البسيط لم تقبله القناة الفرنسية المبجلة. ولنذكر الجميع ختاما أن الحكاية مع فرنسا أصبحت ثقيلة على القلب لا توحي حتى بالابتسام، رغم كم البلاهة الموجودة فيها والتي لاتعادلها إلا ابتسامة فرانسوا هولاند الشهير في برنامج الدمى الإخبارية الأشهر “لي غينيول دولانفو”.
لنتذكر كل هذا ولنقل لأنفسنا لا بأس. فرنسا مست في عديد الأشياء، وهي مجروحة والمسكينة تريد الانتقام. لا أقل ولا أكثر. إنتهى كل الكلام. صمتا. كلاكيت للمرة المليون، سنبدأ التصوير حالا. سكووووووت…إننا نصور…
المختار لغزيوي.