حميد زيد
لا أعرف رجل سياسة في المغرب ولد كبيرا وكلما تقدم به العمر يصغر ويتقلص مثل الحبيب المالكي.
منذ مدة والحبيب المالكي يناضل داخل حزب الاتحاد الاشتراكي كي يعود إلى الخلف، مختبئا وراء ادريس لشكر، يضحي الحبيب المالكي بالغالي والنفيس، كي يبدأ من الصفر.
وهو يتقدم في السن، يتملكه طموح شاب في بداية مشواره السياسي، إنه مثل بطل ذلك الفيلم، الذي كان شيخا، وأخذ يعود القهقرى، إلى الكهولة والشباب حتى أصبح رضيعا مقمطا.
سهل جدا على المرء أن يفهم طموح ادريس لشكر، إنه يريد أن يصعد ويتقوى ويكبر ويسيطر ويضبط، ولا تهم الوسائل هنا، لكنه طموح مشروع ويمكن استيعابه، لكن من الصعب جدا فهم أن يختار رجل سياسة مثل الحبيب المالكي، وبمحض إرادته، أن يصغر ويضحي بكل مجده السابق.
في ثمانينيات القرن الماضي كان الحبيب المالكي مكرسا، وخبيرا، وبالرجوع إلى سيرته نقرأ أنه حصل على وسام جوقة الشرف من فرنسا الدولة ومن الملك الراحل الحسن الثاني، وتقلد مسؤوليات كبيرة، وحزبه مازال في المعارضة، وها هو اليوم يعود تلميذا، ويقرر أن يبدأ من الصفر.
وها هو اليوم يجلس إلى نفس طاولة الاجتماع مع ادريس لشكر، ويناقش ما يجب عمله مع بديعة الراضي وحنان رحاب، وربما يوحي له بنعتيق بخطة ما، ويقترح عليه قياديو الحزب الحاليين خطة جهنمية، فينفذها الحبيب المالكي مندهشا ومبهورا، بهذا الجيل الاتحادي الجديد الذي يتمتع عن طيب خاطر بحلاوة النضال معه.
غدا لا محالة سيصبح الحبيب المالكي مديرا لجريدة الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون، وياله من إنجاز كبير، وبعد غد ستقرر شبيبة الحزب التابعة لإدريس لشكر إعادة إصدار أسبوعية النشرة، وسيقررون بالإجماع اختيار الحبيب المالكي مديرا للنشرة، كما سيعود ملحق الطفولة، من يتذكره من الاتحاديين، وسيكلف به الخبير والدكتور والأستاذ الجامعي الحبيب المالكي.
لكن ماذا يريد الحبيب المالكي حقا، وما الذي يسعى إلى الوصول إليه، وما هو طموحه السياسي الحالي، ونحن نراه يصغر ويصغر، إلا إذا كان يتربص وينتظر الفرصة المناسبة لأخذ مكان الكاتب الأول الحالي، غير ذلك، فمسار هذا الرجل غريب ويدعو إلى الحيرة.
ربما يكون الحبيب المالكي متواضعا وقنوعا، ويرى أن الحزب أهم من الأشخاص وطموحاتهم، وهذا مستبعد، لأنه حين لمع اسمه في الحزب، كان قد تم ذلك بقرار فوقي، نظرا لقيمته ومكانته وخبرته، التي يحتاجها حزب بحجم الاتحاد الاشتراكي، ويحتاجها المغرب.
وربما يحب المالكي أن يبقى شابا إلى الأبد، ولذلك يحرص على العودة إلى الخلف، ويتقلد مناصب ومسؤوليات أقل من مستواه وقيمته، ولن نعدم الأدلة التي تؤكد هوسه بالشباب الدائم، وكذلك حرصه الظاهر على هندامه وأناقته، وقصة المانكير معروفة، وهو بالتالي يرفض أن يكون كبيرا، ويرفض أن يعتزل، أو يتقلد مناصب تليق به، وبدل ذلك يزاحم الصغار في طموحهم، كي يبقى صغيرا وشابا ولا تظهر عليه التجاعيد ولا علامات الشيب.
تأملوا معي في بيوغرافيا الحبيب المالكي:
كان في سنة 1991 أمينا عاما للمجلس الوطني للشباب والمستقبل.
ثم عين عام 1998وزيرا للفلاحة في حكومة اليوسفي.
وفي 2002 وزيرا للتربية الوطنية في حكومة جطو
وغدا سيصبح مديرا لجرائد الحزب
وفي السنة المقبلة وهو يتراجع في السن والتجربة سينتخب على رأس الشبيبة الاتحادية
وفي السنة التي ستليها سيتحمل مسؤولية فرع بجعد
وبعدها سيكلفه لشكر بالقطاع التلاميذي الاتحادي وسيشارك في مخيم جمعية الشعلة الصيفي
وبعدها سيجتاز امتحان البكالوريا
وبعدها سيكون تلميذا نجيبا في مدرسة المستقبل الموجودة بمسقط رأسه
وبعدها سيذهب إلى روض الأطفال
وبعدها سيولد الحبيب المالكي
وسيكبر من جديد
وسيتنبأ له ادريس لشكر بمستقبل زاهر
وسيتقلد مناصب مهمة في الحزب وفي الدولة
ولن يكبر
ولن يشيخ
في ما يشبه العود الأبدي.