في القلب حزن شديد أن نصرة النبي لا تكون بهذا الشكل.
في الفؤاد إحساس بالهباء وبأن يدا ما (لا بأس بالاقتناع بفكرة المؤامرة أسوة بالجموع) تحرك الأمور نحو هذا الاتجاه، لأنها تريد أن تراه وأن تريه لآخرين بهذا الشكل.
هي تريد أن تقول لنا جميعا: المسلمون لا يعرفون حتى كيف يغضبون لنبيهم، وتريد أن تقنعنا أن القتل والإحراق والغضب العارم الذي يخرج المرء عن مشاعره ويجعله غير قادر على التحكم فيها هي خصالنا، وهي بالتالي سبب إقدامنا كل مرة على تفجير المحلات، وإحراق الكنائس، وسب المخالفين وتكفيرهم، ثم قتل الرسامين والصحافيين بالكلاشنيكوفات.
نحن من جهتنا نعطي لمن يتربصون بنا الدوائر كل الحق، وعوض أن نصدمهم بالتصرف الحضاري القادر على إخراج وتسيير مظاهرات هادئة غاضبة لكن بكرامة، قادرة على أن توصل غضبنا واستفزازنا من طرف من يستصغرون ديننا ويضحكون منه، نقوم بالعكس.
في النيجر أحرق الغاضبون الكنائس، وهدموا المحلات على رؤوس ساكنيها، وواجهوا رجال الشرطة بالحجارة والعصي.
في الجزائر حاول الغاضبون إحراق السفارة الفرنسية، واشتبكوا مع قوات الأمن العمومية في حرب عصابات دامت اليوم كله بعد صلاة الجمعة.
في الباكستان ارتفعت التهديدات بالقتل في حق الجميع وصاح الغاضبون دون أن يعرفوا ماهم قائلوه : إذا كنتم شارلي فنحن الكواشي، في إشارة إلى أن التصعيد لايرد عليه بالنسبة لهم إلا بالتصعيد المضاد.
في غزة ذهب الفلسطينيون إلى المركز الأجنبي الوحيد الذي قرر أن يفتح له معهدا في أرضهم أي إلى المعهد الثقافي الفرنسي وكتبوا على جدرانه بالحرف “فليذهب صحافيو فرنسا إلى الجحيم”.
لنذكر بالأمر: هذا المركز هو المعهد الأجنبي الوحيد الذي فتح أبوابه على أرض غزة تضامنا مع القضية الفلسطينية، فماذنبه إن كانت جريدة فرنسية قد اعتبرت أن من حقها أن تستفز هؤلاء الذين يستفزون بهاته السهولة؟
طبعا لن يطرح أحد السؤال. اليوم الكلمة هي للصراخ، ولإبلاغ الغضب، وهي مسألة مشروعة فقط لو عرفنا كيف، فقط لو أتقنا التعامل فيها وبها ومعها، فقط لو كنا قادرين على أن نقنع الآخرين أننا عكس مايتصورونه، وأننا أفضل منهم فعلا وقولا.
لاحظوا كيف سيروا هم مظاهرته المساندة لشارلي. لاحظوا كيف أخرجوا ملايين الناس إلى الشوارع، وكيف عادوا دون أن تنزل قطرة دم واحدة. لاحظوا كيف غنوا نشيدهم الوطني الذي يتعارض تمام التعارض مع كل ماتدعو له شارلي، لكن لا أحد انتبه للمقلب. لاحظوا كيف قفزوا على المناسبة لكي يخدموا صورتهم هم. لاحظوا كيف سرقت إسرائيل العنصرية، المجرمة، قاتلة الصغار حزن الفرنسيين واستولت عليه وجعله نتنياهو وليبرمان أداة في حملة كل واحد منهما الانتخابية.
ثم لاحظوا مانفعله نحن الآن. لاحظوا أننا لا نعرف حتى كيف نغضب بحضارة لرسول الحضارة عليه الصلاة والسلام. لاحظوا كيف يصب إعلامنا الجاهل الزيت على النار دون أن يدري أنه يدخلنا إلى المتاهات التي نتمنى أن نخرج منها ولا نعرف كيف. لاحظوا أننا مرة الأخرى الأكثر قربا إلى البداوة، إلى الوحشية، إلى الهمجية وإلى منطق التتار: أن نحرق حتى منشآتنا، أن نشتبك مع شرطتنا، أن نهدد أمن بلداننا العام، وأن نتصور في الختام أننا ننصر بهاته الطريقة رسولنا الكريم.
لاحظوا أننا نطلق أكثر الدعاوى غباء حين نطلب من الناس عبر الواتساب أن تقاطع غوغل وفيسبوك. لاحظوا أننا ننسى بأن الواتسآب وآبل وغوغل وفيسبوك وتويتر كلها تصب وتنبع من المكان الواحد الذي نريد أن نقاطعه ونحن نشتغل به، لكننا ننسى لأننا نتعامل بحمية الجاهلية، دون علم وبالجهل كله.
نسيء لأنفسنا اليوم، ونسيء لرسولنا عليه أزكى الصلاة والسلام ونحن نؤكد للعالم أننا الأغبى، وأننا الأبعد عن روح العصر، وأننا لسنا المؤمن القوي الذي أوصانا نبي الرحمة أن نكونه، بل نحن الضعفاء المكتفون بضعفهم العاضون عليه بالنواجذ، الخائفون من التقدم، ومن الاطلاع ومن الالتحاق بالعصر الحديث.
مصابنا فينا أكبر من مصابنا في بقية الأشياء.
مصابنا فينا أننا لا نعرف هل نحن أحياء أم أموات أم على هاته الأرض نزاحم فيها بقية المخلوقات وكفى.
مصابنا فينا أمر عظيم وجلل. فقط وبكل اختصار وبكل ألم أيضا
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
واضح أن كأس إفريقيا للأمم الدائرة منذ السبت في غينيا الاستوائية هي أسوأ دورات المنافسة، من ناحية التنظيم أو من ناحية عدم استعداد البلد المستقبل لها، أو من ناحية تهديدها الفعلي بداء إيبولا وتخرف السلطات الكروية الإفريقية من المرض دون قدرة على المجاهرة بها لئلا تؤكد صحة الموقف المغربي.
للأسف الشديد كرتنا القارية هي التي تدفع ثمن تشبث حياتو ومن معه باتفاقاتهم التجارية وهو ما يهدد كرة القارة بالمزيد من الاندحار.
المختار الغزيوي.