|
|
|
|
|
أضيف في 06 يناير 2015 الساعة 58 : 06
توطئة : يشهد واقع الإعلام المصري و المغربي أزمة بالغة الخطورة قد تؤدي إلى نتائج كارثية على القطرين الكبيرين ، إذا لم يتم التعامل معها بالقدر الكافي من المسؤولية و المهنية و الضمير العربي "الحي" . فبعد الانقلاب العسكري طفق الإعلام المصري الحكومي و "المستقل" في قصف غير مسبوق لرموز المملكة المغربية ، و هكذا أمطرتنا – نحن المغاربة – بعض البرامج التلفزيونية المصرية بوابل من السباب و الشتائم شملت المرأة المغربية "الساحرة المشعوذة" ، و العلاقات الاجتماعية و الأمراض الجنسية و الدعارة و الفقر .. و كأن مصر تعيش في رغد من العيش ! ! و لكننا ملكنا غضبنا منطلقين من أن الجانب الأكبر من الإعلام المصري لم يصل إلى سن الرشد ، بيد أن الأمر تجاوز ذلك إلى ما هو أخطر ، حيث أضحت صحافة "أرض الكنانة" تحشر نفسها في القضايا الداخلية و الإستراتيجية للمغرب ، من قبيل التعليق على أنشطة العاهل المغربي ، و إبداء عدم الرضى عن لقائه زعماء دول ديمقراطية محترمة ، وإظهار قابلية التقرب من أطروحة الانفصاليين المغاربة المدعومين من النظام العسكري الجزائري ، طلبا في الحصول على الغاز بسعر رمزي ، و لتذهب مبادئ التضامن العربي و الوحدة الترابية للأقطار العربية والعمل العربي المشترك .. إلى الجحيم ! و قد سبق لكاتب هذه السطور أن عبر عن وجهة نظره المحايدة إزاء الوضع المصري بعد الانقلاب الدموي ، و قدم مقترحا من شانه أن يساهم إلى جانب مقترحات و مبادرات مماثلة في الانتقال إلى مرحلة البناء الجماعي لمصر الجديدة ؛ مصر العروبة و التقدم و الرقي ، بعيدا عن نزعة الإقصاء و القمع و الترهيب .. لذلك أستأذن القارئ الكريم لإعادة نشر المقال مع بعض التصرف لأنه صورة تعكس بصدق أسباب الأزمة المصرية و تحيل على إمكانية الخروج منها بأقل الخسائر . 1 الجيش المصري و جدلية الوفاق و العداء : لقد شكلت ثورة 25 / 01 / 2011 حدثا مفصليا في تاريخ الأمة المصرية و الوطن العربي بشكل عام ، إذ خرج الشعب المصري بكل فئاته و أطيافه و انتماءاته الطبقية و الدينية و الأيديولوجية .. إلى ميادين التحرير في كل المحافظات ، للتنديد بأسوإ نظام سياسي في الشرق الأوسط ، إنه نظام سيئ الذكر حسني مبارك ، الذي حكم البلاد بالحديد و النار، و نهج أسلوب الأبرتايد و التفرقة بين أبناء الشعب الواحد ، فمنح للفئة المحظوظة خيرات البلاد ، و رمى بالأغلبية المطلقة من الشعب المصري الطيب في عالم الفقر و الحرمان و الفساد .. لقد عبر الشعب المصري و بأسلوب حضاري غير مسبوق عن إرادة مستميتة في إزاحة حاكم فضل الدفاع عن المصالح الصهيونية ، و فئة ضيقة من المقربين من دائرة صناع القرار من رجال أعمال و إعلاميين و جيش و أمن و قضاء .. على حساب المصلحة العليا للبلد . و بعد أن نجح هذا الشعب العربي العظيم في إزاحة هذه الغمة و وضع حد لحكم مبارك ، دخلت البلاد بحماس منقطع النظير في سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية ، شاركت فيها كل الأحزاب و الحساسيات و الهيئات السياسية من أجل بناء جماعي لغد أفضل ، تتبوأ فيه مصر المكانة المرموقة التي تستحقها ، و كان الفوز في كل هذه الاستحقاقات ( مجلسي الشعب و الشورى و الرئاسة و التصويت على الدستور ) من نصيب التيار الإسلامي المعتدل ؛ حزب الحرية و العدالة ، لأنه الأكثر شعبية و تنظيما و مصداقية و قربا من آلام و تطلعات الغالبية المطلقة من الشعب المصري . بيد أن الجيش و هو الإطار المؤسسي الأقوى في البلاد و غالبية الأحزاب السياسية القومية و "اليسارية" و "الليبرالية" ، التي خرجت خالية الوفاض من معركة صناديق الاقتراع ، كل هذه الأقطاب كان لها رأي آخر : إظهار القبول و إخفاء الرفض و العداء للنتائج التي أسفرت عنها ممارسة ديمقراطية ، شهد العالم بأسره على جديتها و نزاهتها و مصداقيتها ، و منذ ذلك الحين أنشأت هذه الأطراف الفاشلة "جبهة الإنقاذ" لتنقذ نفسها من الوضع غير المشرف الذي وضعها فيه الشعب باختيار حر، و طفقت في تنظيم اللقاءات و الندوات و وضع مختلف العراقيل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الإعلامية .. في طريق أول حكومة منتخبة ديمقراطيا في تاريخ مصر و الوطن العربي لإفشالها و إسقاطها مهما كلف ذلك من ثمن ! 2 "أبطال" الانقلاب العسكري على الديمقراطية : و بعد سنة من حكم الإسلاميين المعتدلين برئاسة الدكتور محمد مرسي ( و ما أصعبها من سنة مليئة بالمحن و المكائد و الضغائن الظاهر منها و الباطن ) ، قررت أغلب الأحزاب "الليبرالية و اليسارية و القومية" و بمساهمة "كريمة" من الجيش المصري و فلول النظام السابق ، أن تقلب الطاولة على المنجز الديمقراطي ، و تنقلب على اختيارات الشعب ، و هي التي طالما شنفت مسامعنا بقصائد مدح الديمقراطية و الحديث عن عظمتها و جدواها و وظيفتها في رقي الأمم و الدفع بها نحو التقدم و الازدهار و التنمية الشاملة ! .. و أعطيت الأوامر للإعلام المصري المأجور لقصف عمل الحكومة المنتخبة بكل أسلحة الكذب و التآمر و تلفيق التهم و الدعاية السوداء ، و ملء ميدان التحرير بالغاضبين من حكم الإسلاميين الحقيقيين و المصطنعين ، مما أحدث ضغطا فعليا على الحكومة الجديدة و المفتقرة أصلا إلى تجربة تسيير دهاليز الدولة ، و بفعل الحماس و الاندفاع الزائدين ارتكبت أخطاء تكتيكية ( و هي لا تساوي شيئا أمام خطايا الانقلاب ) ليس أقلها الإعلان الدستوري ، الذي منح سلطات كبرى للرئيس على حساب المؤسسة التشريعية و القضائية .. مما أجج غضب جبهة "الإنقاذ" بمعية المؤسسة العسكرية ، و كأنها كانت تنتظر هذه ( اللحظة التاريخية ) لتنفيذ نواياها و ترجمة أحلامها في الانقلاب على ثورة القرن الواحد و العشرين . و بمساهمة " فعالة " من الفلول و المتحكمين في عجلة الاقتصاد الوطني و الإعلام الأسود و قطاع من الجيش و تمويل ضخم من بعض الدول الخليجية المعروفة بكراهيتها للديمقراطية كنظام حكم ، تم اللجوء إلى " اختراع " فكرة شباب ( تمرد ) للدعوة إلى إسقاط حكومة لم يتسن لها أن تحكم ، و مرت مياه متدفقة تحت جسر "أم الدنيا" إلى أن جاء موعد 30/ 06/2013 ؛ موعد عرض مسرحية "ثورية" محكمة الإخراج و الحبك الفني ، تجلت في مشاركة جموع غفيرة من المواطنين المصريين تجاوزت أربعة ملايين حسب بعض الجهات المحايدة و الموضوعية ، مما هيأ للانتقال إلى الخطوة الأخيرة ؛ مطالبة الجيش ممثلا في وزير الدفاع و القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، الشعب المصري تفويضه للتدخل ( حماية لأمن الدولة و الدفاع عن الديمقراطية ) ، أو الإجهاز على الديمقراطية لا فرق ! و نهاية القصة معروفة : انقلاب عسكري واضح المعالم و الأركان ، من تجلياته الكبرى : عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي و تعطيل العمل بالدستور الشعبي و تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا للبلاد . 3 من أجل مصر دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع : و لئن كان الجيش قد اعتقد خطأ أن الانقلاب هو خير وسيلة لاستتباب الأمن و الاستقرار ، و إعادة نظام حسني مبارك و طي صفحة حكم " الإخوان " ، بالاستناد إلى ما سمي ب" الشرعية الشعبية " و كأننا أمام مقلب تلفزيوني فج ، فإن أتباع محمد مرسي و أنصار الديمقراطية كان لهم رأي آخر : الاعتصام الشعبي و السلمي من أجل الدفاع عن الشرعية الديمقراطية و الاختيارات الحرة للمواطنين ، و قد أعطت كل من ساحة رابعة العدوية و النهضة نموذجا غير مسبوق في الإصرار الأسطوري على الدفاع عن الديمقراطية في مناخ من الحماس و السلمية و اليقين بالنصر . و حتى حينما أقدم الجيش و الأمن على ارتكاب مجازر دموية مرعبة ( الحرس الجمهوري و المنصة ) في حق مواطنين مسالمين يدافعون عن قناعاتهم الديمقراطية ، راح ضحيتها مئات الشهداء و الجرحى .. و التهديد بفك الاعتصامات بالقوة ، لم تتراجع الجماهير المصرية عن ميادين مناصرة الشرعية الدستورية ، بل ازداد ت دائرة المحتجين اتساعا و تنوعا و قوة ، لأنها جماهير تحمل قضية مبدئية ( لا بديل عن الديمقراطية ) ! عند هذه النقطة بالذات تراجع العسكر عن محاولة تكرار احتكاك جنوني غير محسوب العواقب بالشعب الثائر ، و إفساح المجال للمبادرات الوطنية و الدولية ، للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد . و لأننا نؤمن بأهمية الدولة المصرية و مكانتها الإقليمية ومركزية الجيش المصري ( هناك مسؤولون كبار في الجيش المصري لا يمكن بتاتا الشك في وطنيتهم الصادقة ) في الدفاع عن المصالح العليا للوطن و الأمة ، و مصير الأقطار العربية المشترك ، فإننا ندعو إلى سماع خطاب العقل و تغليب كفة الحكمة على ثقافة المغامرة و الصراع الصدامي و المقامرة بمستقبل أجيال الحاضر و المستقبل ، و نفترض أن الحل الأوحد للخروج من عنق الزجاجة ، هو الحل السلمي التوافقي ، حيث يستمع طرفا المواجهة إلى بعضهما البعض ( الإسلام السياسي المعتدل و المعارضة الوطنية الصادقة و المؤسسة العسكرية ) بحسن نية ، و أن يتنازل كل منها للآخر عن بعض المطالب الحدية من أجل مصر و لا شيء غير مصر . و لعل المبادرة التي تقدم بها بعض المثقفين و رجال الفكر و السياسة ، و على رأسهم محمد سليم العوا و فهمي هويدي تظل هي الأقرب للمنطق و العقل الراجح ، حيث لا غالب و لا مغلوب ! مع إمكانية إجراء بعض التعديلات و الإضافات الجزئية عليها ، و لعل أهم ما في هذه المبادرة بالغة الأهمية ، عودة الرئيس الشرعي محمد مرسي لا كرئيس فعلي ، بل لتفويض رئيس وزراء متوافق عليه و بصلاحيات كاملة ، من أجل إنجاز انتخابات نيابية و رئاسية ، و البدء في إجراءات تعديل الدستور ، أملا في اجتياز أخطر مرحلة تعيشها الأمة المصرية و الوطن العربي ، و إبعاد الجيش المصري عن الحياة السياسية ، و وضعه في المكان اللائق به ؛ الدفاع عن الوطن و الوحدة الترابية ، و مواجهة العدو الخارجي بكل ما أوتي من قوة و عتاد ، و إبعاد الإعلام التلفزيوني على وجه خاص عن التحريض المغرض و شيطنة الخصم السياسي و الاستمتاع بلعبة الموت ! و تفرغ الهيئات و الأحزاب السياسية "الليبرالية و اليسارية و القومية" لإعادة بناء بيتها الداخلي ، و الاجتهاد من أجل تقديم البدائل المادية الملموسة للمواطنين ، التواقين إلى الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و العيش الكريم ، و الاستعداد لخوض الاستحقاقات القادمة بفاعلية و ثبات ، فنحن في حاجة تامة إلى كل التيارات الإسلامية و العلمانية على حد سواء ، للحصول على مكان جدير بنا بين الأمم الراقية ، و إقامة دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع من دون إقصاء أو استثناء لأحد ! بهذه الطريقة الحضارية المتقدمة و ليس بغيرها ، يمكن أن نبرهن للعالم بأسره و لإسرائيل على وجه الخصوص ، على أن الحلم العربي بالديمقراطية ممكن جدا رغم كيد الكائدين ! !
الصادق بنعلال – باحث في قضايا الفكر و السياسة
|
|
2797 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|