بعد جولته الأخيرة لمختلف النقط الحدودية التي تربط الجزائر بجميع دول الجوار، وإلحاحه على الوحدات العسكرية الموجودة بهذه النقط بالمزيد من اليقظة لمواجهة كافة الاحتمالات التي يمكن أن تطرأ على الحدود، إلى جانب التعزيزات الأمنية والعسكرية والمخابراتية غير المسبوقة التي سارعت الجزائر إلى نصبها في مختلف مواقع حدودها، ظهر نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الجزائري ـ الفريق أحمد قايد صالح، في مجال آخر حين دعا "جميع وسائل الإعلام" إلى التعبئة والحرص على "تحقيق المصلحة العليا للوطن، والمحافظة على النسيج الاجتماعي أمام المخاطر والتحديات التي تواجهها الأمة". في غياب رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، عبد العزيز بوتفليقة، بسبب المرض الذي أقعده عن مزاولة مهامه، فإن نائبه رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح، هو الذي تحمّل عناء افتتاح ملتقى حول الإعلام ـ وكأنّ الحكومة ليس فيها وزير مسؤول عن القطاع ـ ووجّه كلمة توجيهية لجميع الإعلاميين تدعوهم إلى الالتزام بها، وذلك في ضوء "التحديات الأمنية " الجديدة. لكن سرعان ما ستتضح الأمور حين ينتقل نائب وزير الدفاع الجزائري إلى الحديث عن "الظرف الحسّاس" وعن "الإعلام العسكري" ودوره في التوعية "بحجم التهديدات والتحديات"، والتعريف بوتيرة التعزيز التي تعرفها القوات المسلحة "وتطوير صناعة عسكرية "تتماشى "مع احتياجاتنا الحقيقية". إنه ظهور غير عادي وكلام غير عادي لأعلى مسؤول عسكري جزائري في وقت غير عادي. وبغض النظر عن أن مثل هذه الأمور هي من اختصاص رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني (بوتفليقة)، فإن الأمر الثاني غير العادي هو أن هذا الظهور لنائبه يأتي في وقت ما زالت فيه الأخبار تتحدث عن النقل المستعجل للرئيس نحو أحد مستشفيات باريس، وما أثاره من جدل وتساؤلات وسط الطبقة السياسية والإعلامية والحقوقية والرأي العام الجزائري بصفة عامة. الأمر الثالث يتمثّل في أنّ الجميع في الجزائر أصبح على يقين بأن منصب رئاسة الجمهورية في حالة شغور. وفي الوقت الذي كان فيه الرأي العام ينتظر خروج التعديلات الدستورية، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق، عوض إعداد دستور جديد والاستفتاء بشأنه، ارتفعت حدّة الانتقادات للتباطؤ الحاصل في هذا المجال خاصة أن هذه التعديلات لا تشير، مثلا، إلى استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية الذي يصبح بإمكانه القيام مقام الرئيس في حالة وقوع ما يحول دون القيام بواجباته الرئاسية. الأمر الرابع ، يتجلّى في حالة الترقّب والحذرالتي تسود الجزائر، مردّها إلى الصمت المطبق لنقل الرئيس، على وجه الاستعجال إلى باريس، وعبر طائرة طبية، وكذا إلى النفي "القاطع" وما صاحبه من إخراج لسيناريو "استقبال بوتفليقة لبعض السفراء"، وهي العملية التي أثارت وما زالت تثير الكثير من الاستهجان في الأوساط السياسية والإعلامية بالجزائر، الشيء الذي دفع إلى تساؤلات من قبيل: لماذا يتم اللجوء إلى مثل هذه التخريجات كلما تم الحديث عن نقل بوتفليقة إلى باريس للعلاج؟ وهل أصبح الرأي العام قابلا وقادرا على تصديقها خاصة أن له تجارب مماثلة مع هذا النوع من الأساليب التي لم تعد تثير اهتمامه؟ أما الأمر الخامس والهام في هذه القضية فيعود إلى وجود قناعة، أصبحت تترسخ يوما بعد يوم، بخصوص أنّ هناك شيئا ما يتم الإعداد له في قصر المرادية، وأنّ المعنيين بأمر هذا الإعداد منهمكون في المحافظة على الوضع القائم بجميع الوسائل والسبل، وبالتالي اختيار الوجه الجديد الذي يخلف بوتفليقة. ولعل التحركات الأخيرة لبعض المسؤولين الجزائريين، داخليا وخارجيا، والتجاذبات بين مختلف أقطاب المشهد السياسي والعسكري والأمني في البلاد، تبيّن بوضوح أنه لا بد من إيجاد حل للمأزق السياسي الذي توجد فيه الجزائر. وغالبا ما سيكون للعسكر دور هام في المشاركة وإعداد هذا الحل. وقد بدأت ملامح هذا الدور تبرز بوضوح.
حمادي الغاري.