بعد القرار الملكي بتجميد نشاط وزير الشباب والرياضة، محمد أوزين، قام الكثير من "الفقهاء" بالتعليق على هذا القرار من الناحية الدستورية، ومن بينهم حتى الذين يعارضون الدستور، لكنهم وجدوها فرصة لتقطير الشمع بحسب تعبيرهم، ومفاد الاجتهادات الدستورية الجديدة أن الملك يملك فقط حق إعفاء الوزراء باستشارة مع رئيس الحكومة وليس له حق تجميد نشاطهم لأن هذا المفهوم غير موجود في الدستور. فإذا كانت في الدين سلفية وقفت عند النص فإن في القانون سلفيات كما هي موجودة في كافة الأفكار. والسلفيات جمود على النص ولا يتعداه إلى التأويلات الممكنة، والتي تنتقل من النص إلى آخر وفق منطق مدروس، ومن قال بهذه القراءة ينتمي لسلفية القانون والدستورانية. فهناك قاعدة في القانون تقول "من له الحق في الشيء الأكبر له الحق في الشيء الأصغر"، وبالتالي فإن الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على أنه للملك حق إعفاء الوزراء بعد استشارة رئيس الحكومة، يمنح الملك حق إعفاء وزير أي طرده من الحكومة وإخراجه من صفوف الوزارة، وهذا هو الحق الأكبر تترتب عنه قانونيا كل الحقوق الصغرى. هذا إذا وقفنا عند منطوق هذا الفصل الدستوري، أما إذا انتقلنا إلى التأويلات الممكنة، والمعقولة بالمنطق والواقع، فإن هناك أكثر من حجة على أن القرار الملكي منسجم تمام الانسجام مع الدستور. فالملك هو ضامن تنفيذ الدستور وتنزيله على أرض الواقع، فالوثيقة تبقى بدون روح إذا لم تكن هناك مؤسسة ترعاها وتحميها، والدستور ينص على أن الملك هو رئيس الدولة وحامي الوطن وضامن أمنه واستقراره، ومن موقعه كضامن للاستقرار كان لزاما أن يقوم بما قام به من تجميد لأنشطة الوزير أوزين، نظرا لوجود توتر داخل جمهور الرياضة، الذي لا يمكن الاستهانة بانزياحاته، ووجود تشنج مجتمعي بعد الفضيحة التي كشفها الإعلام الدولي بالمباشر. ففضيحة وزارة الشباب والرياضة ليست هينة ولا يمكن ترك الحبل على الغارب، حتى تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، والملك دائم الإنصات لشعبه، ويستجيب لمطالبه بمجرد الإشارة البسيطة، وهو الذي قاد ثورة الملك والشعب الثانية رفقة الشباب، الثورة التي أعطت دستورا جديدا وخلقت وضعا سياسيا جديدا. الدستور ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمفروض أن يحاسب رئيس الحكومة وزراءه، لكنه في مجلس الحكومة الأخير قال إنه متضامن معه. إذن من سيقوم بالمحاسبة؟ فالملك هو رئيس الدولة، وهو رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي تقع تحت مسؤوليته مراقبة الوزراء ومحاسبتهم بحكم كونه رئيسا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. فكل هذه المسؤوليات تمنح الملك حق تجميد نشاط وزير. فالذين يتحدثون عن مسؤولية رئيس الحكومة في هذا الشأن لا يعرفون أن التحقيق يمكن أن يتجاوز وزير الشباب والرياضة إلى أعضاء آخرين في الحكومة بمن فيهم رئيسها أيضا أو إلى موظفين غير خاضعين لنفوذ بنكيران.
إفتتاحية النهار.