يوما بعد يوم يكتشف العالم الوجه الحقيقي للجزائر الذي لم تعد تسعفه المساحيق التي تجمل بها طوال أربعة عقود من احتيال ونصب على المنتظم الدولي، ويوما بعد يوم تسير إلى النهاية خرافة المال والبترول والغاز التي اعتاد الحكام الجزائريون استعمالها بهدف شراء ذمم المنظمات الحقوقية والقنوات الإعلامية لتزييف الحقائق. الوجه الحقيقي للجزائر علاوة على القمع والاضطهاد ومصادرة كل الحقوق والتجويع والتفقير والتعذيب هو انعدام مفهوم الدولة في ظل رئيس جمهورية مريض وهو انعدام الديمقراطية في ظل ولاية رابعة لذات الرئيس ضدا على إرادة المواطنين وهو الديكتاتورية العمياء بتسلط المخابرات العسكرية وشطط الجنرالات في التدبير اليومي للشأن الجزائري وراء ستار اسمه التعددية الحزبية والخيرات الطبيعية التي لم ولن تنفع البلاد والعباد في شيء. هكذا أكد رئيس حركة المجتمع من أجل السلم عبد الرزاق مقري في حديث نشرته صحيفة "لوموند" في عددها ليوم أول أمس الأربعاء، أن الجزائر التي وصلت إلى مرحلة "لا نظام" ينخرها الفساد، تتجه نحو "أزمة عميقة جدا". وقال السياسي الجزائري المعارض، الذي التحقت تشكيلته السياسية بالتنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي التي تجمع كل أحزاب المعارضة، إسلامية كانت أو علمانية، "لقد وصلنا إلى وضعية لا نظام ينخرها الفساد ويطبعها تطاحن مستمر داخل دواليب السلطة وإفلاس تام". هكذا هي الجزائر التي صورها هذا المعارض ويتفق معه فيها كل المعارضين وغير المعارضين، هذه الجزائر التي يطبعها جمود فكري وسياسي كبير وشطط مخابراتي واسع يتخلله المكر وعجز اقتصادي لا يمكن الخروج منه وسباق عسكري قوامه التطاحن وتصفيات الحساب للوصول إلى السلطة، وهذا ما يؤكده عبد الرزاق مقري عن الجزائر التي أصبحت مرهونة بالكامل لمداخيل المحروقات في الوقت الذي أصبحت أسعار برميل النفط خارج السيطرة. وقال في هذا الصدد "إن سعر برميل النفط اليوم يتأرجح حول 65 دولارا فيما تم بناء التوازنات الاقتصادية في الجزائر على أساس سعر مرجعي في حدود 100 دولار"، مسجلا أن إنتاج النفط في الجزائر يعرف تراجعا واضحا فيما الواردات ترتفع بشكل كبير وهو ما جعل الميزان التجاري يعاني عجزا نسبته 53 بالمائة مع ميزان حسابات سلبي. وبلهجة المعارض الممتعض يؤكد المقري أن الجزائر حاليا تلجأ إلى احتياطيات العملة الصعبة غير أنها لن تغطي سوى سنتين. كل شيء نستقدمه من الخارج، ولا ننتج شيئا لا في مجال الفلاحة ولا في مجال الصناعة. المصنع الجديد لرونو بوهران؟ هو مصنع للتجميع وليس للإنتاج". وبعد أن أوضح أن الحكم في الجزائر، وبفضل استراتيجيته في شراء السلم الاجتماعي، يتوفر على قاعدة شعبية لن تدوم، سجل رئيس حركة مجتمع السلم أن الساكنة تتذكر جيدا التجربة المؤلمة لسنوات التسعينيات. وقال "عندما ترغب "الساكنة" في الاحتجاج والمطالبة يتملكها الخوف والسلطة تستغل هذا التخدير الفكري"، محذرا من ثورة الشباب الذي "لا يعير اهتماما لما حدث في سنوات التسعينيات". بالنسبة للمعارض الجزائري، فإن الأمر سينتهي بالشباب إلى أن يثور ولن ينجح تخويفه بما جرى في التسعينيات ولا أحد سيمكنه تهدئة هذا الجيل الجديد لأن خزائن الدولة ستكون خاوية. وتابع متأسفا "مقتنياتنا من الحبوب ارتفعت بنسبة 106 بالمائة خلال سنة. نحن نستورد كل شيء ونمنح زيادات في الأجور. لكننا عندما نقوم بذلك فإننا نعمل في الحقيقة لمصلحة الشركات الأجنبية"، معتبرا أن الزيادات في الأجور غير كافية ويجب أن تترافق مع إنتاج محلي. وخلص إلى أن الأمر الوحيد الذي يشغل بال القادة الجزائريين هو البقاء في السلطة وإيجاد خليفة لبوتفليقة خارج قواعد الديمقراطية.