أربع وعشرون ساعة كانت كافية ليحول فيها المغاربة وزير الدولة إلى أسطورة، مئات الالاف من التدوينات على الفايسبوك ومئات المقالات، كم هائل من هذه التدوينات والمقالات كان بالفعل جارح بالنسبة لنا كمغاربة، صور أشلاء الجثة، وتصريحات على لسان الاسرة التي لم تصرح بشيء، وتكهنات وفرضيات وعلم بالغيبيات.
لم يقف الامر عند هذا الحد، بل هناك من تمادى أكثر وبدأ في تصفية حساباته مع سياسيين عبر الوفاة الاليمة، وهناك من إستذكر وقائع وسخر من الحادث، والبعض الآخر قام بتصميم صور للترفيه، فتحولت الجنازة الفايسبوكية إلى لغط وهرج ومرج كبير مكون من خمسة ملايين مغربي.
الامر الذي يدعوا للتساؤل، هل نستحق كل هذه الحرية ؟ هل نعلم أصلا أين تنتهي حريتنا وتبدأ حرية الآخر؟.
توفي الوزير فصرح المغاربة عن بكرة أبيهم، دفعوه، مات داخل السيارة، مات خارجها، لا يمكن أن يموت، كيف يموت الوزير على سكة القطار، هل فعلا ذهب لرؤية مكان وفاة الزايدي، كيف يذهب ليلا، لماذا لم يرافقه أحد، من قال أنه مات أصلا، لقد مات على السكة، كيف لم يسمع صوت القطار….
ضجيج كبير وزاده لؤم نشر البعض صور أشلاء الجثة، في عدم إحترام صارخ لحرمة الجثة أولا ولعدم إحترام القانون الذي يمنع تصوير الجثة ونشر صورها.
هل أصبح الموت منعشا للحسابات الفايسبوكية العاطلة والصحف والمواقع الكاسدة؟
لقد وصلت الميوعة في المشهد المغربي برمته إلى أقصى درجاتها لدى مغاربة يتجاوزون الحد الفاصل بين حرية التعبير ليصلوا إلى مرحلة الاعتداء على حرية التعبير وتشويهها.
من قال أن حرية التعبير هي نشر صور جثة مشوهة بفعل حادثة سير، ومن قال أن حرية التعبير هي السخرية من ألام أسرة مكلومة، ومن قال أن حرية التعبير هي تصفية الحسابات السياسية على خلفية الحادث، أو إفتراض أشياء لا يوجد ما يؤكدها وزيادة آلام عائلة الضحية، فما يقع الآن يعبر عن أبشع ما يمكن أن يفعله الانسان وهو يدعي ممارسته لحرية التعبير.
إتركوا الراحل يرقد في سلام فكيفما كانت وفاته فقد مات وكفى، لا تحاولوا أن تصنعوا أسطورة فعبد الله باها كان أبا قبل أن يكون وزيرا وله أسرة مكلومة يزيدها ما تفعلون ألما، ويزيدنا ما تفعلون إشمئزازا وخوفا على مستقبل يصبح أكثر رداءة من ماضي أكثر ديكتاتورية.
يونس أفطيط