طارق بنهدا
إذا كنت تمتلك كاميرا تصوير أو ثقبة من خلف هاتفك النقال ليتيح لك ذلك الحق في تصوير ما تريد، ومن حياتك الخاصة، فهذه حريتك احتفل بها كيفما شئت.. أما أن تتطاول على حياة الآخر وتصور تفاصيلها دون استئذان فهذا تجاوز للحدود.. أما أن يطال هذا التجاوز جنس النساء بشكل مقصود متكرر، فهذا كبت نفسي وجنسي يحتاج لعلاج.. مرحبا بكم في الفوضى غير الخلاقة داخل فضاء اليوتيوب.
الفيديو الأخير لأستاذ وهو يعتدي على كرامة تلميذة لديه في القسم، مطالبا إياها باستهزاء وتهكم كتابة حرف 5 على السبورة.. قبل أن تتفتق لديه النظرة الدونية تجاه المرأة، ويختتم المشهد اليوتوبي بالكود العقلي المكبوت "السلك المعوج بغا يتزوج"، ما كانت سوى محاولة لرسم الصورة النمطية التي يحملها ذهن البعض تجاه الجنس اللطيف.. قبل أن يلقي بصيده الثمين في اليوتيوب منتظرا ارتفاع نسب المشاهدة ومعها اللايكات التي تغري بشهرة واهمة..
لقطة الأستاذ الكسول الذي لم يفلح في تعليم تلميذة لديه كتابة الأرقام، يذكرنا بفضيحة الوزير الأسبق في التعليم، محمد الوفا، الذي خاطب قبل عامين، تلميذة صغيرة داخل إحدى مدارس العزوزية بمراكش، بقوله "نتي خاصك غير الراجل"، قبل أن يخرج من الفضيحة كالشعرة من العجين بعد نفيه فعلته!!، مقابل مطالب حقوقية بإقالته ومعاقبته، ليطوى الملف كعادته من الملفات.
قبل ذلك بأيام، خرج علينا زميل شاب ومدون يوتوبي، أتمنى لو حذف من لقبه كلمة "الشيخ"، التي يتشرف بحملها رجال العلم ودعاة الإسلام المجدين في دعوتهم، بفيديو يظهر مؤخرات نساء يترجلن بكل حرية في شوارع الرباط، دون احترام لكيانهن ولا مراعاة للستر الذي ظل ينادي به "الشيخ" فاضحا له، مدعيا أن الأمر أثار غريزته وتحرشا قسريا به، ناسيا أن الإسلام الذي يدعو بإسمه طالبنا بغض البصر وليس هتك الأعراض..
حين رأيت تلك اللقطات المشينة، تذكرت جملة الشاب المصري الممتع يوسف حسين، الذي أخذ شهرة واسعة ومقبولة عبر برنامجه الساخر "جو تيوب"، في إحدى حلقاته بهاشتاغ "ابدأ_بأختك"، بعد تحديه لمن يسميهم العلمانيين ردا على مواقفهم المطالبة بإطلاق الحريات الشخصية في مصر بما فيها الجنس وتقنين الدعارة، بقوله "لو جاك واحد علماني قالك عايزين نرخص الدعارة عشان نعالج التحرش.. قولو أنا موافق، بس ابدأ بأختك".
صحيح، هل يستطيع أحدهم أن يصور أخته من الخلف أو من الأمام وهي خارجة أو تمشي في الشوارع، متحجبة كانت أو غير ذلك، حتى ينقل إلينا حقيقة ليقنع بها الآخرين، وهل يجرأ أحدهم أن يصور أفرادا من عائلته، بكاميرا خفية، وهم جالسون في مقهى يتابعون مباراة كرة قدم وهم غافلون عن الصلاة، وهل يا ترى يستطيع أحدهم تصوير نفسه مع أخته خفية في الشارع، وهو يسألها هل تعرفين الله..!!؟
حين يخرج أحدهم ويصور باستهزاء تلميذة بريئة، قد يحصل أن تكون إحدى بناتنا أو فردا من عائلاتنا وجيراننا، وهي تجهل رسم حرف أو رقم على السبورة، مصحوبة بكلامات التحقير والإهانة، والكل يشهد دهشتها وضعف قوتها العقلية والجسدية، فهذا تحرش نتيجته كبت نفسي وتفريغ لحمولة ثقافية ظل الرجل العربي يحملها من عمق فترة من تخلف حضاري، تجاه المرأة التي لايرها سوى كائنا ضعيفا يلزم قهره، وجنسا مثيرا تصرف فيها كل شهوات الدنيا ..
الخطير في حالة الأستاذ أبو "5"، أنه شعر بالقوة والبطش وبحصانته من الرقابة، بامتلاكه لعصا وطبشور، وتحت حماية أربعة جدران مدرسية تداري بؤسه وتستر انتهاكاته، ووجد نفسه كبيرا أمام صغار ضعاف أبرياء لا يستطيعون مقاومة ولا ردا، لأنهم قاصرون (mineurs) في الإدراك والوعي..
أما الأخطر، فحين يتخذ أحدهم من الدين سلاحا، تحت مسمى القداسة والطهر والدعوة والنصيحة، ليواجه به مجتمعا هو في نظره ناقص عقل ودين وفاسد وقاصر يحتاج إلى الإصلاح، وليتحدى مواطنين هم في مخيلته عصاة ومذنبين في حاجة إلى التطهير بعد فضح عوراتهم وإثبات معاصيهم بالكاميرا الخفية، وليس بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تعلمنا في إسلامنا السمح..
في عوالم التخلف، دائما يعيش الإنسان كما المؤسسات تناقضات صارخة بين ما يعتقده وينادي به وبين الذي يمارسه، فكما أن الحكومة التي تطالب دولا مجاورة لها باحترام حقوق الإنسان فهي تتناسى أنها تجهز على مواطنيها بالعصي والركلات ومنع الحريات.. وحين تسوق بلاد ما لنفسها على أنها "دولة صاعدة"، فهي تتجاهل أنها "نازلة" في صون كرامة رعاياها وتبقي عددا منهم فقراء مدى الحياة، رغم وجود ثروة لا يعلم أين ذهبت..
"الوزير" و"الأستاذ" و"الشيخ"، كلها وقائع سوداء طالت نساء يفترض أنهن جزء من هذا المجتمع الذي يقبل بالجميع مواطنين وشركاء، ويدعونا للقبول بالآخر كيفما كان، على أن لكل واحد منا خطاياه ولا يدعي أحد خلاصه وركوبه على سفينة نوح..
الحكاية فقط "عقلية ذكورية" لطالما حكمت ذهنية وتصرفات رجال منا تجاه المرأة، التي تظل في نظر البعض ضعيفة وسهلة الاستغلال في الشهرة والتشهير.. إذا كنا شركاء في هذا الوطن فلنكن شركاء أيضا في الاعتراف الراقي بأخطاءنا في التعليم والثقافة والوعي والأخلاق، لتصحيحها دون تجريح أو مس بكرامة، ﻷن القانون القرآني يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا بأنفسهم".
كلنا نريد صون كرامة الرجل والمرأة وتزيين المجتمع بالأخلاق والقيم التي هي أساس نهضة الحضارات.. لكن ليس بتلك الطريقة..
مع الأسف!!
https://www.facebook.com/attariqHadda