كل من يقرأ النص الكامل للتقرير السياسي الأخير الذي أعدته الدائرة السياسية للعدل والإحسان، سيقف على حقيقة واحدة هي أن هذه الجماعة اختارت، مع سبق الإصرار والترصد، أن تتعامل مع الواقع بعدمية مطلقة، ويصدق عليها قول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
ومن يكن ذا فم مر مريض /// يجد مرا به الماء الزلالا.
تقرير ما يسمى بالدائرة السياسية، يتجاهل عمدا كل التحولات النوعية التي عاشها المغرب، خلال الثلاث سنوات الأخيرة بدءا من التعديل الدستوري، ووصولا إلى الشروع في تنزيل مقتضيات هذا الدستور على أرض الواقع نصوصا وممارسة، وما رافق ذلك من إقرار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والشروع في إصلاح منظومة العدالة وتقوية سلطة القضاء وإصلاح التعليم، وترسيخ دولة المؤسسات.
التقرير خلص إلى أن الإصلاح من الداخل محكوم عليه بالفشل لأن أي فاعل سياسي يستسلم في الأخير لـ "المخزن". والجماعة بذلك تنتقد حزب العدالة والتنمية، الذي اختار الانخراط في المسلسل الديمقراطي، في عز الربيع العربي في فبراير 2011، ولم يبسط يده للجماعة المحظورة، التي كانت تراهن على جعل شباب حركة 20 فبراير وقودا لـ "الثورة ( القومة)"، غير أن أغلبية هذا الشباب قرر الإفلات من قبضة الجماعة لمّا رفع أحد قياديي شبيبتها في الدارالبيضاء شعار: " ضرورة تطهير الشوارع بالدماء"، وهو ما يؤكد الطابع العنيف للعدل والإحسان، التي تحاول إظهار عكس ما تضمر من باب "التقية" تنفيذا لتعليمات الحوزات العلمية في قم الإيرانية، وبالتالي فإن خيار ما تسميه ( في خلاصتها الثانية): "بناء تحالف وطني كبير يضم كل الغيورين على الوطن... يلتقون في حوار وطني صريح..."، مجرد إدعاء، لماذا؟
لسبب بسيط و واضح هو أن جماعة العدل والإحسان لا تؤمن بفضيلة الحوار.
ففي عز حراك 20 فبراير انسحبت الجماعة بمجرد أن أحست أن شباب الحركة ليس أداة طيعة لتنفيذ مخططاتها، وأنها لن تستطيع أن تبسط عليهم سطوتها بما تسميه "حوارا"، لأنها تفتقر إلى أدوات المجادلة بالتالي هي أحسن.
هذا مثال حي وصارخ، لا تستطيع العدل والإحسان، أن تنكره، لأنها فشلت فشلا ذريعا في تحويل تلك اللحظة، التي حولها الملك محمد السادس إلى لحظة تاريخية نادرة التقت فيها إرادتان على ضرورة الإصلاح، و تجاوز فيها سقف الإصلاحات التي طرحها الملك سقف الشعارات ( المطالب) التي رفعها الشارع.
التقرير يحمل بين طياته مرارة فشل العدل والإحسان في تلك اللحظة التي رأت فيها الجماعة لحظة بزوغ قومتها، لكنها كانت لحظة ميلاد دستور جديد أفضى إلى إجراء انتخابات سابقة لآوانها أفرزت صعود حزب "إسلامي" إلى الحكم، استفاد، ولا شك من أصوات مريدي الجماعة، وكانت تراهن أن يكون حليفا طبيعيا لها، غير أنه وكما يقول المتنبي دائما:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه /// تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
التقرير، سعى، إلى خدمة أجندة جماعة العدل والإحسان مستعينا ببعض الأرقام حول المراتب التي يحتلها المغرب على صعيد مؤشرات الصحة والتعليم... وكذا بعض الأرقام الاقتصادية، وكل ذلك في سبيل تقديم صورة قاتمة عن الأوضاع، ربما لإقناع الحلفاء المفترضين بجدوى دعوة الجماعة إلى حوار وطني، علما أن هذه التصنيفات لا تعكس واقع المجهود الذي يبذله المغرب للاستجابة لمطالب المواطنين، وتغض الطرف عن المكتسبات التي حققها المغرب على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.