تعتبر الأحداث المأساوية التي وقعت في منطقة تقرت تجليا لواقع حقوق الإنسان في الجزائر، حيث القمع والعنف هو الجواب المنهجي لأي حركة مطلبية مواطنة وسلمية.
وقد وقعت في هذه المنطقة المحرومة في الجنوب، والتي تقع فريسة للفقر المدقع والعجز الفاضح للتنمية في بلد يفترض أنه غني جدا، خسائر في الأرواح جراء استعمال الذخيرة الحية.
لقد وقع ما كان من شأنه أن يحدث ثورة ويصدم النفوس المرهفة لحقوق الإنسان لو كانت هذه الأحداث قد وقعت في مكان آخر عبر العالم. لكن، ولأن ذلك وقع في بلد يوزع بسخاء عقود مربحة لجهاته المانحة، فإنه يمكن البحث عن هذه الاحداث في مكان آخر، حيث لم يتم الحديث عنها ولو بإشارة في صفحة المتفرقات.
ما هي الجريمة التي اقترفها محتجان في مقتبل العمر، لقد احتجا سلميا ولمدة ثلاثة أيام مثل جميع المواطنين، للمطالبة بقطع أرضية بئيسة وربط حيهم بشبكة المياه.
بالأمس كانت غرداية، وهي منطقة جنوبية أخرى، عاشت أشهرا من الرعب بسبب وحشية القوات العمومية ضد جزء أطفال وادي مزاب. واليوم جاء دور تقرت لأداء ضريبة التهميش والإقصاء التي تعاني منها منطقة ورغلة بأكملها.
وفي الشمال مثل الجنوب، يكافح المواطنون الجزائريون الشجعان من أجل انتزاع الحقوق المنتهكة أو غير المعترف بها من قبل السلطة التي لا تفكر سوى في استمرارها.
وفي أقصى الشمال، يكافح "القبايليون"، على مر السنين، من أجل الحصول على الحقوق الثقافية واللغوية. وفي أقصى الجنوب، في إليزي، وتامانراست أو بادجي مختار، يعتبر السكان، الذين ثاروا أكثر من مرة ضد التمييز، كمواطنين من الدرجة الثانية.
ويعتبر المراقبون أن الظلم المسلط بشكل واسع على المجتمع الجزائري هو بمثابة بذور لانفجار اجتماعي قادم، والذي يتجلى في بعض الأحيان على شكل حركات احتجاجية محلية وعنف حضري مستفحل.
وقد نجحت الحكومة الجزائرية، عبر اعتماد شعار "فرق تسد"، خلال السنوات الأخيرة، في أن تقمع، ومن المهد، جميع محاولات خلق مجتمع مدني قادر على إضفاء بعد وطني على الاحتجاج الشعبي.
ومن غير تكلف، ومع ضمان إسكات مدعي الدفاع عن القضية الإنسانية، تم تكميم أفواه الأحزاب والجمعيات والنقابات، إنهم قلصوا وفي صمت من المفكرين الأحرار، وتم دفعهم إلى الصمت أو المنفى. وظهرت نخبة سياسية واقتصادية انتهازية، ينعدم لديها الضمير وتابعة للسلطة بشكل كامل.
ومن خلال استفادتها من صمت متواطئ لأولئك الذين أعلنوا أنهم متحدثين باسم الضمير الإنساني، تشعر السلطة الجزائرية أنها تدفع أجنحتها لانتهاك أبسط الحقوق الأساسية لمواطنيها، مع العلم مسبقا أن المنظمات تجد صعوبة كبرى في التلاقي حول نقاط الترضية وحتى في التسوية.
فهل رزم العملات الخضراء التي يتم توزيعها يمينا ويسارا ستكون كافية لإخفاء واقع حقوق الإنسان في الجزائر، وعلى المدى القصير، فإن الجواب هو ذاك بالتأكيد.
فطالما أن آبار الذهب الأسود ستواصل ضخها، تعرف السلطة الجزائرية أنها سوف تظل في مأمن من أي مسائلة. وطالما أن شركات القوى العالمية حاليا على وشك الإفلاس وتتمتع بالتحرك وبالصفقات العمومية، فإن المجموعة الحاكمة تعرف أنها يمكن أن تفلت من أي شيء، وعلى الخصوص تشويه سمعة جيرانها لتظهر نرجسيتها الغير قابلة للشفاء، يضاف إليها الشعور بالتعالي المرضي الذي يدل على عقدة أوديب.
وقد وجدت السلطة الجزائرية، رغم أنها غارقة في الجمود السياسي العميق والمسكون بفرضية أزمة اقتصادية حادة بعد تراجع أسعار النفط، حلا بمهاجمة الجار في الغرب وبدون حياء.
لقد اقترف المغرب ما لا يمكن إصلاحه باستضافة الحدث العالمي لحقوق الإنسان، وذلك اعترافا بالتقدم الذي أحرزه في هذا المجال والتزامه الثابت في تعزيز تشريعاته الوطنية والتي، مثل كل عمل الإنساني، تتحسن باستمرار، ويتم تصحيحها أو الطعن إذا اقتضت الضرورة ذلك.
لقد تم توظيف جميع الآليات الدعائية التي يغذيها البترودولار من أجل الإساءة إلى صورة المملكة وجهودها في هذا المجال بالتحديد، والتي أكسبتها سمعة معينة في المحافل الدولية والإقليمية.
وبغض النظر عن الشهادات الإيجابية المعبر عنها في أماكن أخرى، فإن الأهم هو أن يتم الاعتراف بالتقدم، أولا من قبل المواطنين المغاربة، وأغلب المجتمع المدني الوطني، وكذا جميع القوى الوطنية الحية والفاعلة.
ولكن مع تغذية هذه الغضاضة، حوصرت السلطة الجزائرية بالأحداث المؤلمة في تقرت، في الوقت الذي أتى فيه النشطاء من مختلف أنحاء العالم للنقاش والتبادل والتأمل حول مستقبل حقوق الإنسان في العالم والمغرب، البلد الذي لا يتوفر على النفط أو الغاز ولكن لديه عبقرية وحضارة قديمة والتي لا يمكن لأي مال في العالم أن يوفرها له.
وم ع