ابتداء من اليوم هناك منتدى عالمي لحقوق الإنسان في المغرب. لا، لنعد قول الجملة بطريقة أصح: ابتداء من اليوم هناك المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في بلادنا، وبالتحديد في مراكش.
العالم الحقوقي كله يركز النظر ويوجهه صوب المغرب، وصوب هاته التجربة التي نستطيع أن نقول عنها الشيء الكثير إلى الغد، لكن لايمكننا إطلاقا أن نغمطها حقها أو أن نعتبرها غير قابلة للكثير من التحايا.
تحايا داخلية تأخذ دوما شكل الدفاع عن التجربة السياسية والحقوقية المغربية التي مكنت، بفضل توافق جماعي بين مختلف الفرقاء، من إصلاح عديد الأخطاء، ومن مراكمة عديد الإنجازات، وأيضا من التوقف عند بعض العثرات التي لازالت تبحث لها عن حل.
وتحايا خارجية أفضلها على الإطلاق، أن يقبل العالم الحقوقي بانعقاد منتداه العالمي في بلادنا، وأن يعتبر أنه من الممكن اليوم تقديم هاته الشهادة لوجه التاريخ للمغرب، أنه البلد العربي الإفريقي المغاربي الذي يستحق أن ينعقد منتدى عالمي مثل هذا على أرضه.
في هذا اليوم بالتحديد تحق التحية لعديد الناس وعديد المغاربة. لسبب لا أعلمه طيف ادريس بنزكري يرفرف على المكان. تلك الابتسامة الهادئة، تلك القدرة على احتواء الخلافات حتى أكثرها استعصاء. تلك اللمحة المغربية في العين، ذلك الإصرار الهادئ على الحق، ثم كل الأشياء الجميلة
حتى في لحظة المرض بقي نبيلا، قادرا على الوقوف، على الصمود، على جر الأشياء إلى ختامها الأخير، إلى وضعها على السكة السليمة قبل الذهاب.
كان يعرف أن الوقت لن يرحمه، وأن المرض أخذ منه كل المآخذ، وأن الأشياء منتهية ومحسومة لصالح من يهزمنا دائما في نهاية المطاف، لصالح الموت، لكنه كان يراهن على الحياة.
المغرب ليس جنة حقوق الإنسان، والمغرب ليس البلد الأكثر احتراما في العالم لهذه الحقوق، نعترف معكم بذلك، ونعرف أنها الحقيقة، ولا نحتاج فيديوهات سخيفة تسجل في اليوتوب وتلقى دلالة العجز عن الوقوف مع البلد في رغبته في الانعتاق الكامل. بالمقابل علمنا ادريس بنزكري، وهو الهرم الذي كان أن المغرب يريد حقا الانتهاء من ماضيه في هذا المجال، ويريد فتح صفحات جديدة، وليس صفحة واحدة من أجل التقدم لا من أجل التقهقر. من أجل الذهاب إلى الأمام لا من أجل العودة إلى الوراء
لذك ترفرف روح ادريس على زملائه ورفاقه. ترفرف على ادريس اليزمي وهو يخوض حربا فعلية بالساعات والأيام والليالي منذ بدء العد العكسي لعقد هذا المؤتمر في بلدنا، وترفرف على محمد الصبار وهو يحمل بدقة متناهية الملفات الحقوقية في البلد كله، ويهرع بها من مكان إلى مكان مدافعا بكل الجدل الذي يمتلكه عن تصوره للأشياء. لذلك أيضا ترفرف على كل من يريد المغرب محترما مائة في المائة لحقوق الإنسان.
هل تصح المزايدة في موضوع مثل هذا؟ هل يصح أن نقول “نحن أو لا أحد”؟ إمنحونا مانشاء وإلا صورنا الفيديوهات في اليوتوب لكي نقول إن المغرب بلد أسوأ من جزر الواق واق في احترام حقوق الإنسان؟
أمر معيب أن نسمع من يقول بالحرف إن انعقاد المنتدى في بلادنا مهزلة.
المهزلة الحق هي أن نعيش خارج اللحظة، أن نظل خارج السياق، أن يلفظنا التاريخ وأن نبقى على الهامش نلتمس من هنا وهناك مبررات سب بلدنا فقط لأننا نعتبر – عن حق أو عن خطأ – أنه همشنا.
المغرب الحقوقي اليوم يحتفل بنفسه وبالاعتراف العالمي به، ومن عاشوا سنوات قليلة في العهود السابقة يعرفون الفوارق، يلمسون التغيير، يتأكدون يوما بعد يوم أن المغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، ويريدون بالتأكيد أن يكون مغرب الغد أفضل بكثير من مغرب اليوم.
هذا هو رهان الوطنية الحق: أن تحلم لوطنك بمستقبل أفضل، وأن تبحث في الجزء المليء الشهير من الكأس، عن مسببات التفاؤل بغد أجمل لأبنائك ولأحفادك، ولكل من سيأتون إلى هاته الأرض بعدك.
درس ادريس بنزكري الحقيقي أفهمه ونفهمه جميعا بهاته الطريقة. وأعرف أنه الآن في مكان ما من السماء يراقب عن كثب مايقع، يبتسم بحزن حين تبلغه بعض المواقف المتنطعة التي لا معنى لها، ثم يستعيد رونق البهاء واليفاعة والحياة بالابتسامة المتصالحة مع الذات، التي تشهر نفسها في وجه العالم كله، حين يسمع أن في مراكش اليوم كل حقوقيي العالم يجتمعون.
لنا هاته الابتسامة القادرة على مجابهة كل كآبات الوقت العابرة، لنا تمغربيت سلاحا لن نمل من إشهاره إلى أن تستوي كل الأمور…
بقلم: المختار لغزيوي