هربت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان. هربت ولم تنسحب. وكلمة الهروب هي التي تعبر تماما وبصدق عن موقف الجمعية التي ظلت تتردد بين القبول بالمشاركة في عرس حقوق الإنسان العالمي الذي ستحتضنه بلادنا مثلما يفرض ذلك المنطقان النضالي والوطني السليمان، وبين تسجيل المزايدة مرة أخرى على البلد وإن بمقاطعة نشاط يحتضنه البلد.
يحتضنه فقط ولا يعد صاحبه، وأهل الجمعية يعرفون أكثر من غيرهم أن المغرب يستقبل المنتدى العالمي مثلما استضافت دورته السابقة البرازيل وأن هذا الاستقبال يعني مايعنيه من أمور لم يزدردها الرفاق في الجمعية لأنها تسير عكس كل ما يروجون له من خطابات في المدة الأخيرة.
أولى هاته الخطابات/ الإدعاءات هي أن نكسة حقوقية كبرى ضربت المغرب في مقتل، وجعلت البلد يعود إلى سنوات الرصاص. أهل الجمعية أمضوا الأشهر الأخيرة في الترويج لهذا الكلام، وبذلوا فعلا الغالي والنفيس، سواء من مالهم الخاص أو من مال الأجانب الذي يصلهم، من أجل أن يقنعوا المغاربة بأن بلدهم اليوم أسوأ حقوقيا من الأمس.
طبعا المغاربة لم يصدقوا الجمعية لأنهم يعيشون في المغرب أولا، ولأنهم فهموا بأن الأمر كله مزايدة سياسية في لبوس حقوقي من طرف أناس اتضحت نواياهم كلها.
ثاني هذه الخطابات هي أن الجمعية تتعرض للخنق والمنع والحصار والمطاردة وأنشطتها تقمع وما إلى ذلك من الترويج الفارغ. الحقيقة هي ألا نشاط يمنع على الإطلاق، وأن الجمعية لجأت إلى تصعيد غريب يجب أن يعرفه المغاربة، وهو قيامها بعقد تجمعات غير مرخص لها، وفرض ذلك على السلطات المحلية في المدن التي ترغب الجمعية في القيام فيها بذلك. طبعا الأمر قانونيا غير ممكن، والجمعية تعرف ذلك لكنها تسعى إليه من أجل ترويج هذه الصورة الجديدة عن البلد، الذي لا يصدق أحد أنه سيمنع تجمعا خطابيا لعشرة أشخاص مع بعضهم البعض في مدينة أو قرية أو دشر أو دوار.
ثالث الخطابات الكاذبة (هذا وصف وليس سبة أو موقفا) التي عرفت الجمعية أن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان سيدحضها، هي أن الدول العالمية كلها تستنكر المغرب وتستنكر مواقفه وتدين تعامله مع حقوق الإنسان، فيما الواقع هو أن العالم كله ينوه بطريقة مقاربة المغرب لهذا الموضوع، وأن العالم كله يستوعب بأن المغرب هو الاستثناء الفعلي في المنطقة، وهو البلد الذي يريد بالقول لكن أيضا بالفعل أن يحسم مع هذا الموضوع بالتحديد، وهذا منذ سنوات عديدة، وليس اليوم فقط.
لذلك هربت الجمعية من منتدى حقوق الإنسان العالمي وأعلنت أنها لن تشارك فيه رغم أن المنتدى استجاب لكل مقترحاتها، وأعطاها إمكانية تنظيم وتنشيط كل ماتريده من ورشات داخله، ومنح أعضاءها الحرية المطلقة في استدعاء الضيوف الذين تراهم ضروريين ومفيدين لعملها خلال المنتدى.
لللأسف لا شيء من كل هاته الخطوات التي قام بها اليزمي ومن معه استطاع أن يزيل عن الحقوقي غمة السياسي التي تتلبس به داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومرة أخرى انتصر الصوت غير العاقل المزايد، الراغب في التصعيد، والراغب في الإساءة للبلد بأي ثمن كان، ومرة أخرى اتضح أن الجمعية لم تعد ذلك البراح الحقوقي المفتوح لكل الانتماءات لكي تدافع فيه ومن خلاله عن حقوق الإنسان و”بس”، لكنها أضحت بدون نقاش الآن “البراح” الكاذب بأشياء لا توجد في بلدنا، وحزبا سياسيا صغيرا لا يستطيع التعبير عن نفسه بين الأحزاب الأخرى لأنه “ميكروسكوبي” ولا يظهر بالعين المجردة، فيلجأ إلى هذا الاختباء في الشعارات الحقوقية من أجل تمرير مواقف جد لافتة للانتباه
لكن لصالح من تلعب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هاته اللعبة؟
لا جواب لدينا، لكننا نتوفر على مصادفة غاية في التعبير هي تزامن خرجة الجمعية في الرباط للاحتجاج الأحد الفارط مع خرجة مدريدية في إسبانيا لجمعيات تساند البوليساريو وتساند الوهم الانفصالي.
هل من تزامن؟ هل من تنسيق؟ هل من يد واحدة خفية تحرك التنسيق ككل؟
لنا حق التساؤل وحق تسجيل التزامن، ولنا الأيام المقبلة والاعتماد عليها لتكشف الكثير من الحقائق التي قد تغيب عن أنظار الناس الآن…
المختار الغزيوي