عمر اوشن
إنهار جدار برلين و انهارت معه أساطير كثيرة .. سقط تاوشيسكو وسقطت القيادات التاريخية في موسكو وذهبت ديكتاتورية البروليتاريا مع الريح والغبار والسيجار الكوبي للقيادات التاريخية .
كل هذه المياه التي جرت تحت الجسر لم تفعل شيئا في تغييرالإعلام الجزائري الرسمي حين يتحدث عن الجار المغاربي المغرب..
العالم تغير لكن مثل هذه المدرسة الإعلامية ما زالت تكبل بلد الأمير عبد القادر بأغلال الماضي و الايديولوجيات التي أكل عليها الدهر و شرب..
في الفيديو الموزع على المواقع الالكترونية قالت المذيعة الجزائرية أن المغرب يحاصر بقبضة قمعية النشطاء الصحراويين .
المذيعة تحدثت عن بلد “محتل” عوض أن تتحدث عن نزاع بين المغرب و البوليساريو و الجزائر .ما عرفته في التاريخ هو أن تيندوف كانت أرضا مغربية و أن المغرب لم يسارع إلى حل مشاكل الحدود بعد استقلاله لأنه أعتبر أن الجار قبل الدار و قال ننتظر إلى أن تستقل جارتنا و آنذاك لكل حادث حديث لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن..
انظر دائما للقضية من جانبها الثقافي و النفسي و الحواجز و العقد التي تراكمت و عطلت لحد الآن حل الأزمة.
الكاتالانيون جزء من اسبانيا بقوة الجغرافيا لكنهم يشعرون أنهم منفصلون غرباء .لماذا ؟ ابحثوا في النفسيات و التاريخ و الثقافة و أنماط العيش…
نشرات أخبار سمعية بصرية تذكرنا بنشرات القذافي الذي تركت فترات حكمه الطويلة بلده خارج التاريخ و لما جاءت رياح ارحل سقط بشكل مذل سوريالي..
الجزائر جزء من ذاكرتي و ثقافتي.و لا افهم لماذا يزخر البلد بالكفاءات و الطاقات و الأسماء الوازنة في الداخل و الخارج بينما يغرق في بحيرة إعلام آسن قديم تجاوزه الزمن و هرم.
قبل أيام كان إيدير و إبنته يتجول مع الصديق منير كيجي في سويقة الرباط .ايدير وغيره المغنية نورة و الشيخة ريميتي و محمد اليونسي و زليخة صوت الاوراس و مراد بومدين و الشاب خالد والشاب حسني و الشهيد معطوب الوناس و الشاب مامي و رشيد طه و رابح درياسة و الحاج العنقة و غيرهم و غيرهم كلهم أحبهم . و كنت في صغري اعتقد أن درياسة و نورة و مراد بومدين مغاربة من وجدة أو بركان.
لماذا يصنفنا التلفزيون الجزائري مثل قطيع مجرد دهماء تتبع تابع التابعين ولا عقل ولا روح لها ..لم أر في حياتي برنامجا مغربيا على الراديو أو التلفزيون يقدم الجزائر ويسب الجزائريين بهذه الطريقة المتخلفة.
المغرب خرج من سنوات الرصاص في الإعلام كما في حقوق الإنسان فيما جارتنا لم تنجح إلى الآن في تكسير القيود و فتح النوافذ و الأبواب .نحن هنا يا إخواني قادرون على الكتابة عن كل شيء و في كل شيء وبكل حرية و مسؤولية ..الناس تكتب و تعبر وتنتقد وترسم وتصور وتصدر الكتب والروايات و تنظم الندوات والمظاهرات والإضرابات .هل هذه هي القبضة القمعية ؟
حينما كانت حركة 20 فبراير تخرج في كل جهات المغرب رافعة شعار أرحل في وجه الفاسدين كان الشباب في الجزائر يأكلون العصا إن فكروا في الخروج للشارع..كانت حشود البوليس و العسكر أكثر من حفنة متظاهرين يأسوا من الإصلاح ..
بعد الحرب الأهلية لم تعد للجزائري مطالب سياسية كما في المغرب صارت غالبية الشعب تطلب فقط السلاك و السلامة والأمن و الاستقرار و طرف الخبز..
نحن هنا مازلنا نستمع” يا بن سيدي و يا خويا ماشي غير رواح وقل درت مرا “. و” زوج حمامات ” و “يا الحوتة شوكتيني بالنقا” و ” يا الرايح وين مسافر تروح تعيا و تولي “.
في مناطق الريف والشمال الشرقي نعتبرها جزء من ذاكرتنا ..بومدين المغني عاش في وجدة سنوات طويلة كما عاش فيها بوتفليقة .
لم أشاهد مرة المعارضين الجزائريين الحقيقيين في التلفزيون ومن أراد أن ينتقد قليلا السلطة يحتاج للسفر إلى باريس .
بعد رفض المغرب تنظيم كأس إفريقيا شاهدنا روبورتاجا ميكرو تروتوار ينقل “رأي” عينة مختارة بعناية من عامة الناس أجمعت كلها الشيخ العجوز و الشبان و الأطفال على أن ” الماروك خاف “..
نعم صحيح و الله العظيم و يحلف المستجوبون بالرب أن الماروك و لوروا ما يقبلوش ما يحبو تطلع ليمن ناسيونال د دزاير في بلادهم؟؟
قائل قال: حنا فريق كبير و ابراهيمي كبير نغلبو لماروك و الله راه ماكاين لا إيبولا لا والو .الايبولا ديالهم هما حنا..
كأن الجزائر ليس فيها رجل رشيد لتقدم هذه العينة المسطحة المغلوب عليها .الجزائر العميقة لا تستحق هذه الصورة السيئة. الجزائريون أكبر بكثير من هذه الصور التي تقدم عن البلد..لماذا تفسد السياسة الإعلام إلى هذه الدرجة؟
هذا تمرين لمجتمع على كراهية جاره مجانا ..على العكس من ذلك لا يمكن أن نتصور روبورتاجا مغربيا يتحدث عن الجزائر بتلك الطريقة التي تعيد إلى البال نظريات البروباغاندا الهالكة.
في ألبانيا وقعت واقعة مثيرة وغرائبية حين اكتشف الناس بعد سقوط جدار برلين أنهم كانوا خارج التاريخ محاصرين في بلد يجهلون ما يجري خارج الأسوار..كانت صدمة الألبان قوية..حصل لهم ما حصل لأهل الكهف..
العالم تغير .العالم تبدل.المغرب بدأ قبل 20 سنة تحرير قطاع السمعي البصري مع ولادة قناة دوزيم.كانت القناة الأولى في يد السلطة تسيرها مثل مقاطعة إدارية لكن الحسن الثاني انتبه إلى تغيير هبوب الرياح فجاءت القناة الثانية لتمنح البلد صورة جديدة و تهيئ للعهد الجديد.
غالبية المعارضين الذين عادوا من المنفى و خرجوا من السجون لا أحد منعهم من الكلام و إصدار الكتب .
حين يسجل كريم بنزيمة للريال مدريد يرى فيه جمهور كبير في المغرب اللاعب الجزائري و هو الحامل للقميص الفرنسي و جنسيتها. أما رابح درياسة فقد ماتت ميمونة في تمسمان رحمها الله و هي مصرة على أن درياسة وجدي خلوق و ترابي .
العالم تغير و الماء يجري تحت القنطرة. يجري و يجري دائما.