الخطاب الملكي الأخير الشديد اللهجة، وقضية اختفاء محجوبة محمد حمدي الداف من مخيمات البوليساريو، والحراك الشعبي الأخير الذي واجهته قيادة الانفصاليين بهمجية، والخوف من تكرار انتفاضة 1988، كلها مخاوف أربكت حكام البوليساريو، حسب تحليل لـ"فورساتين".
لماذا خلق الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، ارتباكا كبيرا في صفوف الانفصاليين؟ وخلط أوراق قيادات البوليساريو في الرابوني والجزائر العاصمة معا؟ منتدى دعم الحكم الذاتي بتندوف، فسر في بلاغ له خلفيات الارتباك في قيادات الانفصاليين.
اعتبر منتدى دعم الحكم الذاتي في تندوف، المعروف اختصارا بـ"فورساتين"، أن الرد الشرس وغير المبرر للبوليساريو على خطاب الملك محمد السادس، وقلقها من مضامينه ومسارعتها إلى بعث رسائل الشكوى للأمم المتحدة واستعانتها بمن تعرف ومن لا تعرف، لم يكن سيرا على نهجها التقليدي في محاولة الظهور بوضع المظلوم والمغلوب على أمره بمناسبة أو بدون مناسبة، بقدر ما كان خطاب المسيرة الخضراء إعلانا حقيقيا لحالة الطوارئ بالمخيمات وحدثا جللا استدعى تحريك كل مؤسسات الجبهة من أصغر عضو الى أكبر رأس في البوليساريو – محمد عبد العزيز- الذي نسق خروجا إعلاميا تحت مسمى "خطاب للشعب" أراد له امتصاص أو التخفيف على الأقل من وقع خطاب الملك محمد السادس الذي جاء مزلزلا بكل المقاييس.
"فورساتين"، في محاولة تحليلية، قال إن خطاب محمد السادس يأتي في ظل ظروف استثنائية تعيشها مخيمات تندوف، على مختلف الأصعدة، في ظل تأكيد رئيس حركة البوليساريو غير ما مرة إن 2015 سنة الحسم في ملف الصحراء، دون أن يلمح إن كانت النتائج لصالح البوليساريو من غيرها، إلا أن إعلانه شخصيا عن إطلاق حالة الاستنفار قبل شهرين، وشى بما لم يستطع البوح به، وأبان عن قلق رسمي من مجريات وأحداث داخلية وخارجية قد تنسف أحلام قيادة البوليساريو ومن يدور في فلكها.
محجوبة المختطفة وغضب قبيلة لبيهات
وقال البيان، الذي توصلت Le360 بنسخة منه، أن من بين مشاكل التخبط في سياسة البوليساريو هناك عوامل داخلية، من أبرزها قضية محجوبة وأحداث المخيمات، ويضيف البيان أن "الانتظار لم يدم طويلا قبل أن تنقلب الدنيا على رأس البوليساريو خارجيا، بسبب احتجازها للشابة محجوبة محمد حمدي الداف، أثرت على علاقتها بأقرب حلفائها وصلت حد قطع المساعدات الإنسانية عنها، قبل أن تنفجر الأمور داخليا بخروج مظاهرات منددة بتورط عبد العزيز المباشر في تهريب الشابة ذاتها دون إذن عائلتها وذلك رضوخا لضغوط اسبانية".
ويضيف تحليل "فورساتين" أن مظاهرات عائلة الشابة وبعض أقاربها لم يكن ليكون ذا أهمية لو تعلق الأمر بعائلة لا تنتمي لقبيلة لبيهات، أو أنه جاء في غير هذا الوقت الحساس، الذي لا مجال فيه لقبول خروج عن الصف في حرب البوليساريو لكسب معركة السنة الحاسمة، فكان لزاما أن تتحرك البوليساريو بسرعة لاحتواء تظاهرة عائلة محجوبة ومعارفها، فأعطت أوامر للحد من تزايد المتظاهرين بأن تدخلت عبر وساطة "وزيرها الأول" لمنع مظاهرة لأبناء قبيلته كانت مقررة للتنديد بإطلاق سراح خمسة أشخاص تورطوا في قتل أحد أفراد القبيلة، قبل أن تقرر البوليساريو منع عائلة محجوبة بالقوة وتتورط في تأليب ميليشياتها للتنكيل بالمتظاهرين.
وهو الأمر الذي استدعى تحركا فوريا على مستوى قبيلة لبيهات للرد على استهداف واضح في حق أبنائها، ومعاملة عنصرية تمس كرامة أبناء القبيلة، فكان الرد بمسيرة سلمية لمئات الأشخاص في اتجاه مقر زعيم البوليساريو، قوبلت بقمع شديد، استدعى دخول بعض أبناء القبيلة في مواجهات مباشرة مع قوات الدرك والشرطة، نجحت بعده مجموعة مكونة من 500 رجلا و60 امرأة في اقتحام مقر "رئاسة" البوليساريو، تلتها أحداث متفرقة تمثلت في اقتحام مقرات ما يسمى بـ"ولايتي العيون والسمارة" وبعض المؤسسات التابعة للبوليساريو وتكسير سياراتها وتخريب كامل محتوياتها. لتستدعي البوليساريو الجيش وتقسمه على المخيمات الخمسة التابعة لها، فكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس: عشرات الجرحى والمعطوبين ومئات المعتقلين في صفوف الشباب والنساء.
الخوف من تكرار انتفاضة 1988 بتندوف
ويضيف منتدى دعم الحكم الذاتي بتندوف أن استعانة البوليساريو بجيشها لقمع المظاهرات، وقبولها في ما بعد الدخول في مفاوضات مع المحتجين عبر ما يسمى "وزير داخليتها" لحثهم على قبول عقد هدنة مؤقتة إلى حين تحقيق مطالبهم، لتفسح المجال لتجييش بلطجية تابعة للنظام للخروج في مظاهرات موازية رفعت فيها صور زعيم البوليساريو وأعلامها تحت حماية الجيش تتهم المتظاهرين الذين هادنتهم بالخونة والعملاء وتدعي حماية المؤسسات الوطنية.
ويضيف البيان "أنه حتى عندما منعت البوليساريو قبيلة أولاد ادليم من التظاهر بالتزامن مع مظاهرات قبيلة لبيهات لم تخشى في الحقيقة سوى تكرار انتفاضة 1988 التي قادتها القبيلتان إلى جانب قبائل أخرى قسمت ظهر البوليساريو، وخلفت أثارا بليغة على بنيتها ما زالت لم تتعاف منها الى اليوم. ورغم أن البوليساريو نجحت في منع قبائل أخرى من التظاهر إلا أنها فشلت في منع قبيلة لبيهات من الخروج في مظاهرات، تحولت في ما بعد الى انتفاضة عارمة، ترجمت واقع سنين من الإقصاء والتهميش عاشته القبيلة منذ انتفاضة 1988 إلى اليوم، عانت خلالها الحذر والمنع والتخوين، فعاش أبناؤها مواطنين من الدرجة الثالثة رغم أن قبيلة لبيهات تشكل 33 بالمائة من ساكنة المخيمات، حسب إحصائيات البوليساريو نفسها، وهو سبب آخر يجعلها تمعن في إقصائها من أية مسؤولية.
الخوف من دعم ملكي لحراك جديد في المخيمات
اعتبر منتدى دعم الحكم الذاتي في مخيمات تندوف أن البوليساريو تخشى اليوم أن يعيد التاريخ نفسه ويدعم الملك محمد السادس الانتفاضة الجارية بالمخيمات، فمحمد السادس أطلق خطابا ناريا قويا مفعما بالثقة، أكد كلام زعيم البوليساريو أن سنة 2015 سنة الحسم فعلا، لكن على عكس محمد عبد العزيز، فالملك كان واضحا حين أكد أنها لصالح المغرب وليس لغيره، وبعث برسائل صاروخية صدمت أنصار البوليساريو وجمدت الدماء في عروقهم.
فالملك فمحمد السادس، يضيف بيان "فورساتين"، أبان عن فهم لما يجري بالمخيمات من أحداث تعيش البوليساريو بسببها على وقع انقسامات خطيرة، وأن بالمخيمات صحراويين يناضلون في سبيل الانتصار على البوليساريو والجزائر من أجل إنهاء معاناتهم والعودة الى وطنهم الأم.
"فورساتين" أكدت أن الملك محمد السادس تفاعل مع الأحداث، فأكد أن المغرب يتفاوض من أجل المغاربة بمخيمات تندوف، وأن الوطن غفور رحيم لمن يتوب توبة لا لبس فيها، مشددا أن مبادرة الحكم الذاتي أقصى ما قد يقدمه المغرب من أجل إنهاء نزاع الصحراء.
ويزيد البيان التحليلي أنه مخافة أن يتكرر ما فعله الحسن الثاني إبان أحداث 1988 بالمخيمات باستقطاب رموز الانتفاضة آنذاك، عن طريق مبادرة ملكية جديدة بالاعتماد على عمر الحضرمي (محمد عالي العظمي) الذي ينتمي لقبيلة لبيهات التي تقود الانتفاضة الحالية بالمخيمات وأكثر من ذلك ما زال يعتبر زعيما حقيقيا داخل المخيمات، ليس فقط من طرف قبيلة لبيهات، وإنما من ساكنة المخيمات جميعا، حسب استطلاع الرأي الذي نظمته الجزائر بالمخيمات، قبل سنتين لمعرفة رجل الثقة لدى القاعدة ضمن ثلاث شخصيات من قادة البوليساريو، قبل أن يفاجأ المنظمون بتواجد اسم عمر الحضرمي على أغلب الاستمارات، مما اعتبر في حينه ارتباط ساكنة المخيمات بزعيم قاد انتفاضة ضد البوليساريو من أجل تحرير الصحراويين، قبل أن يضع يده في يد الحسن الثاني لصنع تحالف أضعف البوليساريو إلى يومنا هذا.
وختم "فورساتين" أن البوليساريو من منطلق معرفتها بشعبية عمر الحضرمي بالمخيمات، وخوفا من تنسيقه مع أبناء عمومته المنتفضين ضدها وهو التنسيق الذي لم ينقطع قط، حاولت في الأيام الأخيرة اتهام الحضرمي بالإشراف المباشر على تلك الأحداث عبر أشخاص تربطهم به أواصر القرابة ، متهمة إياهم بالعمالة للمغرب ورفع الأعلام المغربية وصور محمد السادس بالمخيمات، في محاولة منها لتأليب أنصارها من باقي القبائل على قبيلة لبيهات لإضعاف ثورتها وإخضاعها بالقوة، خوفا من مبادرة ملكية غير متوقعة قد تدمر ما تبقى من جبهة البوليساريو.