يوم 16 أكتوبر في لاهاي أعلن رئيس محكمة العدل الدولية عن الرأي الإستشاري لهذه الأخيرة وهو الرأي الذي إغترف منه على التو كل طرف من العناصر التي تؤيد أطروحته ، لكن خلاصاته حول " الروابط القانونية " بين سكان الصحراء والمملكة الشريفة وموريتانيا و"بيعتهم " إياهما دعمت على وجه الخصوص موقف الرباط ونواكشوط ، وفي اليوم نفسه أعلن ملك المغرب عبر خطاب للأمة نقله التلفزيون أنه سيقود شخصيا وقريبا 350 ألف مدني مغربي في مسيرة خضراء سلمية وبدون سلاح إلى العيون عاصمة المنطقة الواقعة في جنوبها وأنه سيتم اجتياز الحدود يوم 28 أكتوبر.
اليوم : 26 أكتوبر 1975
في الطائرة التي نقلتنا في اليوم نفسه إلى نواكشوط التي وصلنا إليها مع حلول الليل شرعت بعثتنا القليلة العدد في الإشتغال بجدية على مخطط للأمم المتحدة حول الصحراء الغربية وهو المخطط الذي سنقوم بتعديله وتتميمه في كل محطة من محطات زيارتنا حسب تصريحات محاورينا ، كان الرئيس المختار ولد داده متفقا إلى أبعد حد مع الموقف المغربي ويفضل من ثمة إتفاقا مع إسبانيا من جهة ومع المغرب من جهة ثانية
اليوم : 27 أكتوبر 1975
قضينا خمس ساعات في الطائرة للوصول إلى الجزائر العاصمة حيث شرح لنا الرئيس بومدين موقف بلاده رافضا بشكل قطعي المطالب المغربية والموريتانية معترضا على تأويل الرباط ونواكشوط لرأي محكمة العدل الدولية
اليوم : 30 أكتوبر من سنة 1975
المكان : مدريد
بعد لقاء سريع مع رئيس الحكومة الإسبانية والكاتب العام للشؤون الخارجية لعرض نتائج جولتي في اليوم نفسه الذي تسلم خلاله الملك المقبل خوان كارلوس السلطة في البلاد مؤقتا ، عدت إلى فندق "ريتز" حيث كنت أقطن ، وفي المساء توصلت بمكالمة هاتفية من من سفير الجزائر بمدريد وأنا أحرر تقريرا حول مهمتي.
ــــ ""هل تريد المجيئ لتناول العشاء في إقامتي ، وستلتقي فيها بشخصيات مهمة ""
كنت أعرف هذا السفير الشاب واللطيف نورالدين الخلادي إذ سبق لي اللقاء به من قبل ، وجدت حول مائدة العشاء أعضاء الوفد الذي حضر من الجزائر لمحاولة إحباط توقيع الإتفاق بين مدريد والرباط ونواكشوط في آخر لحظة ، وكان الوفد يتكون من الكولونيل محمد بن أحمد عبدالغني عضو مجلس الثورة ووزير الداخلية وحمداني إسماعيل نائب الكاتب العام لرئاسة الجمهورية والكولونيل سليمان هوفمان مستشار الرئيس ، مر العشاء في جو مريح وحين حلت لحظة تناول القهوة فوجئت بانسحاب باقي الضيوف واحد تلو الآخر ومغادرتهم قاعة الأكل ، بقيت وحيدا خلال وقت طويل ، محتسيا فنجان قهوة تلو الآخر قبل أن يعود مضيفي :
ــــ ""هل تريد مرافقتي ؟ لدينا أشياء مهمة ومفيدة بالنسبة لمهمتك نريد أن تراها ""
إقتفيت خطاه ، نزلنا إلى قبو الإقامة لنجد هناك دزينة من الرجال الجالسين أرضا فوق زرابي مكدسة ، كانوا يرتدون الجلابيب ويتناقشون بحماس مع الجزائريين ، جلست وسطهم وجلس السفير بقربي لترجمة أقوالهم لأنهم كانوا يتكلمون جميعا باللغة العربية ، فهمت بسرعة أن الأمر يتعلق بعدة أعضاء في هيئة الكورتيس البرلمانية الإسبانية .
اليوم : 4 نونبر من سنة 1975
المكان : مدينة أكادير المغربية
وأنا ألج القاعة المليئة بالصحافيين الوافدين من كل أرجاء العالم لتغطية المسيرة الخضراء والحاضرين هنا للإنصات للرئيس خطري ولد سيدي سعيد الجماني فوجئت كثيرا حين تعرفت على هذا الأخير : إنه ذاك البرلماني الصحراوي في الكورتيس الإسباني الذي أثارإنتباهي في الأسبوع الماضي خلال اللقاء الغريب الذي حضرته في قبو سفارة الجزائر بمدريد
اليوم : 5 نونبر 1975
المكان : الجزائر
في الجزائر العاصمة إستقبلني على الفور الرئيس بومدين الذي أنصت بإمعان للمعلومات التي قدمتها له حول لقاءاتي السابقة وقد جعلني أكرر عدة مرات تفاصيل ما قاله لي الملك الحسن الثاني ، بعدها وعيناه تشعان أحيانا بشرارات مقلقة رد بأن المسيرة الخضراء تشكل أمرا واقعا غير مقبول وبانه لاشيء سيجعل الجزائر تتراجع عن مبدأ تقرير المصيرالأساسي أما إلتحاق رئيس الجماعة الصحراوية بالأطروحة المغربية فإنه ليس مطابقا للتأويل الذي أضفته عليه الرباط ذلك أن هذه الهيئة التقليدية ليست تمثيلية بما فيه الكفاية للسكان كما أن إتفاقا بين الرباط ومدريد لن يحل المشكلة مضيفا أن القوات المحاربة في الميدان من أجل إستقلال الصحراء الغربية والتي لم تستطع أبدا إسماع صوتها ستواجه بكل تأكيد كل حل لا رتكز على تقرير فعلي للمصير وستواصل عملياتها لاحقا وأن الجزائر تتفهمها وستساندها في معركتها إذا إقتضت الضرورة ذلك .
إن المتأمل في هذه التفاصيل سيقف على حقيقة ثابثة وقطعية وهي أن النظام الجزائري صراحة هو من دخل من الباب الضيق للصحراء بعد خروج المحتل الإسباني منها مرغما بفعل دهاء وذكاء المرحوم الحسن الثاني الذي أفشل سايس بيكو ثانية بثياب إسباني جزائري هذه المرة ، فالنظام الجزائري لم يكن يهمه لا شعب صحراوي ولاهم هم يحزنون وكل ما كلن يهمه هو مساعدة النظام الفرنكاوي في خلق جمهورية وهمية تابعة لإسبانيا تصبح فيها الصحراء إمتدادا طبيعيا لجزر الكناري في مقابل أخد ممر إلى المحيط الأطلسي يربط الصحراء الشرقية بجزء من الصحراء الغربية ، ومن أراد التأكد من هذا المعطى عليه أن يستحضر اللقاءات المكوكية التي دارت في هذه الفترة بين وزير خارجية حكومة نافارو السيد كورتينا إيماوري وبين وزير خارجية الجزائر آنذاك ورئيسها الحالي السيد عبدالعزيز بوتفليقة بمعية قاصدي مرباح ، ثم يستحضر لقاء بوتفليقة أنذاك مع وزير خارجية أمريكا السيد هنري كيسنجر.
وهاهي 40 سنة تقريبا تمروالأمة المغربية لازالت على عهدها ووفاءها بما آمنت به حين لبت نداء الملك الراحل ونبدت كل خلافاتها معه لتسير كرجل واحد في إتجاه الحدود الوهمية التي كانت تفصل بين منطقتين صحراويتين إحتلتهما إسبانيا ما بين 1884 و1934