ولحديث الوطنية في النفس وعليها وقع خاص. الساعة الثامنة والنصف بالتوقيت المغربي الوطني، ليلة السادس من نونبر 2014. في الانتظار خطاب ملكي لتخليد الذكرى التاسعة والثلاثين لحدث ليس بالهين على الإطلاق هو حدث المسيرة الخضراء.
مغرب 2014 يختلف عن مغرب 1975 اختلافات الكون كلها. وحده شيء أساسي لازال ثابتا في النبض، في العرق، في الفؤاد: حب البلد وتمسك أهله به.
في الخطاب نبرة حزم تطمئن. فيه تشبث بالبلد من أقصاه إلى أقصاه، وفيه استعداد للذود عنه مهما كان الثمن.
متفاوضون؟ نعم. متسامحون؟ إلى أقصى حد. متقبلون للغفران وللصفح عن الخطأ الأول لحظة وقوعه الوحيد؟ بكل رحمة للوطن.
لكن، قادرون على خيانة المغرب؟
لا وألف لا، بل قل مليون لا، بل أضف إليها مليارات الكون وأعلن التشبث هنا صارخا بالرقعة الحضارية، التاريخية، الجغرافية، الروحية التي تسكننا المسماة المغرب إلى أبد الآبدين.
في مقهى غير بعيد عن وسط المدينة الأكبر في البلاد، يرن “نداء الحسن” قبل الخطاب بنفس النغمة المحببة إلى الآذان اليوم. يتساءل بعض المنتظرين لحديث الملك عن سر دوام هاته الأغنية، عن سر بقائها والقناة الأولى تبثها ريثما يشرع الملك في مخاطبة الأمة. يأتي الجواب من أقصى المقهى “لأن فيها حنينا للصراخ بحب البلاد”.
تظل العبارة لوحدها قادرة على التحكم في الذهن طيلة مدة الخطاب: حب البلاد.
نعيش فيها وتحيانا، نرى مشاكلها اليومية، نقسو عليها أحيانا ونتبرم ونمل ونقول كاذبين “لو وجدنا التأشيرات لعبرنا إلى أي مكان آخر ولهربنا”، ثم حين الهروب حقا منها تهجم علينا كلها، وتسكن فينا كل المسام. تدمع منا الأعين كلما ذكر إسم المغرب أمامنا، ونتمنى فقط لحظة العبور لكي نعود إليها ونطلب الكثير من الاستغفار أننا لم نعطها حقها، وأننا لم نعرف قيمتها وأننا ساهمنا مع المساهمين في سبها، في النيل منها، في انتقادها في المليئة والفارغة.
لنا النماذج أمامنا، تترى، تتتابع، تتوالى، كلها تقول لنا الشيء الواحد ذاته: مثل هذا البلد لن نجد أبدا، ومثل هاته القدرة على الحب لهذا الوطن، لن نلفي وإن بحثنا في كل مكان.
فقط علينا أن نجد الفوارق السبعة بين حب الوطن لوجه الوطن، وبين حبه لأنه يعطينا أو كرهه لأنه نسي أن يمنحنا بعض الفتات.
قالها الكبير يوما في العبارة التي يحفظها الجميع “لاتسألوا أنفسكم ماذا أعطانا وطننا بل إسألوا أنفسكم ماذا أعطيتم لهذا الوطن” .
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية، غير قادر على مداراة نفسه: هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها، حلوها ومرها، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر.
وطني أو خائن، ولاتوجد مرتبة وسطى بين الخياة وبين الوطنية. والبيضاء في ذلك الليل البارد من نونبر 2014 تنفض عنها يوما بأكمله وتستعد لعناق ليلة جديدة، كان “نداء الحسن” يؤكد كلماته بعد مرور تسعة وثلاثين ، ويحورها قليلا لكي تصبح نداء الملك وشعبه في سنة الناس هاته البعيدة تماما عن السبعينيات المقتربة أكثر مما يفتحه المستقبل من رهانات كبرى لهاته الأرض ولأهل هاته الأرض.
عاش المغرب بكل اختصار..
المختار لغزيوي