بالواضح نطقها الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء حيث قال: إن قضية الصحراء "قضية وجود وليست مسألة حدود".
الخطاب غني بالرسائل للداخل والخارج ولساكني حمادة الرابوني وتحليله بشكل شامل يستلزم الكثير من المداد كونه تطرق لعدد من جوانب قضية الصحراء في أبعادها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسأقتصر في هذه الكتابة على بعض منها .
عندما يتحدث الملك محمد السادس في وصفه لما تمثله قضية الصحراء بالنسبة للعرش والجالس عليه بكونها قضية وجود فانه يستدعي لمن لا يمتلك الذاكرة السياسية لهذا الملف ما سبق أن صرح به الراحل الحسن الثاني عندما قال إن خسارة الصحراء تساوي خسارة العرش المغربي.
عندما يصر الملك محمد السادس على وضع قضية الصحراء في بعدها الوطني من خلال التأكيد إنها قضية شعب فانه يدرك جيدا أخطاء التدبير السياسي للملف عندما حاولت نخبة إدارية على عهد إدريس البصري الاستفراد بالملف وعندما يحث الملك محمد السادس في كل مناسبة متاحة ضرورة انخراط مؤسسات المجتمع المدني في تحمل مسؤولياتها تجاه الدفاع عن هذا الملف دون السقوط في وضع المتاجرة المجانية به، فانه يدرك جيدا أن أوراق اللعب في هذا الملف تعددت وطرق التواصل فيه تشعبت وكان لزاما إعادة التموقع حسب تكتيك الخصوم .
أوراق دعاية الحركة الانفصالية تقوم على الملف الحقوقي وكأن مخيمات تندوف جنة ينعم ساكنوها بالحقوق الفردية والجماعية والسياسية بينما واقع الحال يقول أن قيادة الحركة الانفصالية رهينة لبيعتها التاريخية لمخابرات الجزائر ذات الخلفية العسكرية التي لا تستقيم ولغة حقوق الإنسان .
الملف الحقوقي من خلال تتبع نشطائه بالأقاليم الجنوبية اتضح بشكل واضح توغل رموزه في الصراع حول المنح المادية القادمة من جزر الكناري وانغماسه في صراع قبلي متخلف يحاول أن يرضي الذات المثخنة بجروح الانتماء القبلي غير المرضي للمناضل المفترض وهذا نوع من الانفصام الذاتي الذي أصاب البعض نتيجة ثقافة التقوقع على الذات والتوهم أن العالم ينحصر بين ثلاثة شوارع وأربعة جدران ووقفتين احتجاجيتين مؤدى عنهما سلفا .
الثروات المحلية وبلغة الأرقام تبين أنها مساومة رخيصة يراد منها فقط تشكيل وعي مبهم لدى المنتوج الاجتماعي بالصحراء من معطلين أو شباب يئس من هيمنة لوبي الفساد على مفاصل الثروة المحلية مما أدى إلى حالة بلوكاج في الدورة الاقتصادية الاجتماعية لازالت تمثل معالجتها أولوية الأولويات في تنزيل مشروع تنموي منتظر .
في مقابل هذا وتأسيسا على نفس منوال الجيل الجديد من الخطب الملكية هناك اليوم إقرار من أعلى هرم للسلطة بالمغرب على فشل سياسة الدولة في بعدها التنموي والاجتماعي حينما راهنت في وقت سابق على ثلة من الأعيان المحدثين وتحول هؤلاء إلى نخبة مهترئة ميزتها المتاجرة بأي شيء وفي كل شيء فليس سهلا أن ينطق الملك محمد السادس بالقول أن هناك من يضع رجلا هنا وأخرى هناك في حالة توازن وفق ما يتحصل عليه من استفادة .
هنا رفع القلم وجف الحبر .وأنصف الخطاب أولائك الذين بحت حناجرهم من الإشارة إلى تجار الحرب الذين توهموا أنهم ملكوا الأرض والسماء واستعبدوا البشر والحيوان نتيجة وجود ثلة ممن يقتاتون على موائد الذل وممن يقدمون أنفسهم كشناقة في سوق الانتخابات حتى حولوا الأحزاب والجمعيات إلى وسائط للسعاية عند هذا الصنم أو ذاك .
يحق لنا أن نسأل اليوم ماذا بعد خطاب الملك وبعد إعداد المشروع التنموي للأقاليم الصحراوية هل يكفي تشخيص الوضع الذي يتفق عليه كل متابع نزيه؟ هل يكفي فقط أن نحدد مواضع الألم؟ هل يكفي فقط أن نقر بالواقع مع تفاوت تحمل المسؤوليات؟ هل يكفي أن نتصارح فيما بيننا دون الانتقال إلى تأسيس مسببات الخروج من هذا الوضع؟ وهل يكفي أن نتذكر واقعة اكديم ازيك في شقها السياسي الذي تم استغلاله بشكل كبير دون طرح الإشكال من زاوية البعد الاجتماعي الذي مثل ولا يزال وقود الاستغلال السياسي الانتهازي للحدث؟ .
اليوم كل تراجع عن المضي قدما في استحضار مسببات الواقع الحالي وتفادي تكرار سن نفس السياسات حتى بوجوه مختلفة سنؤدي ثمنه باهظا ومكلفا لنا كساكنة ولنا كدولة .
المطلوب اليوم القطع مع مظاهر الريع... القطع مع صناعة نخب... اليوم مطلوب أن نعي أهمية الاستثمار الحقيقي بهذه الأقاليم وتشجيع هذا الاستثمار من خلال التحفيزات الضريبية وأشياء أخرى... اليوم مطلوب مسيرة من نوع أخر مسيرة الوعي بالمهام والمسؤوليات لدى الساكنة من خلال بنائها لثورة فكرية وأخلاقية تقطع الطريق على تجار الحرب والسلم ...مافيا البقع والمنح المستحوذة على البر والبحر الذين يقدمون أنفسهم ممثلين حقيقيين للساكنة بينما الواقع يقر أنهم تاجروا واشتروا تلك التمثيلية بالمال ولا يجدون حرجا في معاودة أو محاولة الكرة مرة أخرى لأن ولائهم للمال وليس للمبدأ .
المطلوب أن يعي الشاب الصحراوي المثقف والمؤهل أنه معني بالمقام الأول في هذه المرحلة الحاسمة والتي يريد البعض أن يزكي أنها عاصفة يجيد تجار الحرب والسلم الاختباء حتى تمر بسلام... أن يعي هذا الشاب وتلك الشابة أن صناعة المستقبل بأيديهم شريطة تحررهم من فكر الانزواء والبحث عن التميز السلبي الاثني القبلي فالتميز المطلوب اليوم هو تميز المبادرة بأهدافها النبيلة والعامة ولا ضير أن تكون المصلحة الشخصية ضمن المصلحة العامة وليس العكس .
المطلوب أيضا وبشكل مستعجل أن لا تبقى جهة الصحراء بعيدة عن المحاسبة والافتحاص تحت أي مبرر غالبا ما يساق انه مبرر سياسي يختبئ وراءه الكثير من المفسدين صحراويين وغيرهم من صنف من رجال الأعمال الذين بنو ثروتهم بالصحراء على أنقاض التبركيك آو الفساد الأخلاقي والسياسي .
لن تخيف المحاسبة سوى من بني رصيده المادي والسياسي على ميزة الاختلال وميزة الاستثناء وميزة الإعفاء. فلا إعفاء ولا استثناء ولا مهادنة مع هؤلاء .
الأغلبية الصامتة التي خاطبها الملك محمد السادس للأول مرة هذه فرصتها وفرصتها تاريخية فلا شيء ستعفيها من دورها التاريخي الحالي ولا شفاعة مادية أو قبلية ستعنيها عن استشرافها للمستقبل ووضع بصمتها على تغيير منشود يتم بسواعد أهل الدار وأهل مكة ادرى بشعابها والفرص السياسية الحاسمة لا تكرر كثيرا فهل نحن في الموعد .
Daoudi.tkd@gmail.com