كوباني وتونس
لاعلاقة بين الإثنتين؟ تتصورون ذلك فعلا؟
إذن كذبوا أنفسكم، واكتشفوا أوجه الشبه السبعة، بل العشرة، بل اللاتنتهي، بين المدينة الحدودية القابعة بين تركيا وسوريا ملاذا يريد نفسه وطنا للأكراد منذ لحظات التاريخ الأولى، وبين تونس الخضراء العائدة إلينا بدرس الديمقراطية الفتية وهو يتأسس من البدء.
لنبدأ ببلدة الجنرالات النساء، آلهة الشجاعة في الزمن الحديث، كوباني. لنبدأ بهاته المدينة التي تقرر لها بسبب الحساب السياسي بين أربعة دول تخاف الأكراد أن تصبح قربان العصر الحديث لداعشيي الوقت.
لا أحد في العالم بأسره، من أكبر جنرال في القوات العسكرية إلى أصغر طفل في أبعد نقطة في الكون يصدق أن اقتحام كوباني وتطهيرها من عناصر داعش يتطلب كل هذا الوقت، وكل هذا الجهد، وكل هاته المعارك، وكل هاته الأسلحة.
الكل مقتنع أن القضاء على داعش كلها في كوباني لايتطلب إلا يوما واحدا وانتهت هاته الخرافة، ومررنا إلى شيء جديد، لو أرادت القوات الدولية أن تحرر كوباني حقا، لو فعلت فيها مافعلته مع جيش صدام النظامي، ودخلت حتى عاصمته بغداد وحتى قصوره، ودمرت تماثيله، أو لو فعلت فيها مافعلته في طرابلس وبنغازي العقيد المقتول معمر القذافي حتى أضحى الرئيس القائد هاربا يموت في جحور بناها يوما مثل الفئران.
لذلك لا وهم في المسألة ولا خداع. القوى الدولية تساند القوى الإقليمية هناك وتترك كوباني مقبرة للجهتين معا: للدواعش القتلة، وللثوار الأكراد الذين لا تحبهم سوريا ولا يحبهم العراق، ولا تحبهم إيران وإن لعبت بهم لعبتها يوما ضد العراق، وطبعا لا تحبهم المدللة اليوم تركيا التي لم تنس رئاسة حكومتها بعضا من انتماء صغير إلى حركة هي أصل الدواعش في العالم، وقررت أن تصفي الحساب بالحساب، وأن تتفرج على البشمركة يموتون على أيدي جهلة الدين، والعكس صحيح أىضا.
لكن كوباني ليست فقط هذا الجانب المظلم المحزن فقط. كوباني اليوم ملحمة فعلية تصنع نفسها بدم الرجال والنساء، وبالقدرة الرائعة على مقاومة الجهل ومنعه من التسلطن عليها، وبتدبير هاته المقاومة وتنظيمها بشكل يجعلها أمرا يعني المدينة كلها، ويعني الدفاع عن إربيل وبقية المدن التي تحيا حياتها العادية، لأجل منع الظلام من الزحف، ولأجل الوقوف وحيدين في مواجهة هؤلاء الذين يذبحون الناس ويشهرون رؤوسهم في كل مكان دلالة إيمانهم بدين لا يعرفه أحد منا.
كوباني درس وتونس درس آخر مشابه تماما. لها اليوم القدرة على المقاومة في الوقت الذي لاتأتي النماذج من دول أخرى إلا دليلا على المفاضلة بين القتل و…القتل، بين الدمار وبين…الدمار.
تونس اختارت الطريق الصعب والهادئ للديمقراطية وتأسيسها والقبول بنتائجها. وعكس من هللوا فرحا فقط يوم انتصرت النهضة وكتبوها في افتتاحياتهم يقولون إن الشعب التونسي ينضم لصفوف المصادقين على ديمقراطية الإسلاميين الوحيدة الممكنة في العالم العربي، نصفق اليوم لموقف النهضة المنهزمة أكثر مما نصفق لموقف “نداء تونس”، ولا نرى في انتصار هذا التيار لا فوزا للعلمانية، ولا لليبرالية، ولا للرغبة في التخلص من تجار الدين.
نرى فيه عقل تونس الناضج، وهو يدبر مسافات اقترابه من الحياة السياسية بأكبر قدر ممكن من الحكمة، وهذا هو المطلوب اليوم، وهذا هو ما نفاخر به البلدان الأخرى نحن في المغرب.
نقولها لهم دائما: لا نتفوق عليكم بثروات نفيسة ولا بمال وفير أو طاقات خفية. نتفوق فقط باستحضار الحكمة في كل مفترقات الطرق التي يمر منها بلدنا، وبذلك السؤال الذي نفرض طرحه دائما على أنفسنا كلما استجد مستجد: ما الذي سيربحه المغرب وما الذي سيخسره؟ ودوما نختار ربح بلدنا أفقا للسير وللتنمية وللصعود.
درسان آتيان من منطقتين بعيديتين عن بعضيهما لكنهما معا ينتميان لنفس الأفق: أفق المقاومة من أجل مستقبل غير كئيب لهاته المنطقة ولمن يقطنونها أو تقطنهم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
علاقة المغرب بالإمارات علاقة سابقة على علاقته بأي ائتلاف دولي هو أصلا ليس عضوا فيه. وانخراط المغرب في مساعدة الإمارات في حربها ضد الإرهاب آت من اقتناع البلد أن لبلد الشيخ زايد وأبنائه في الأعناق منا مايفوق الدين. لهم علينا الارتباط الوثيق والاقتناع بأن مايمسنا يمسهم، والعكس صحيح أيضا.
لذلك وجب قولها بكل وضوح: المغرب والإمارات في نفس المركب ومايقع الآن لايفعل سوى تكريس هذا المعطى بكل اختصار.
المختار لغزيوي