يمر النظام الجزائري وصنيعته "البوليساريو" بفترة أرق تقضّ مضجعهما قضّا بسبب قضية احتجاز محجوبة، ومصادرة جواز سفرها، ومنعها من العودة إلى بلد إقامتها ومحل عملها بإسبانيا. وما زالت الجزائر وجماعة الانفصاليين التي تتحكّم فيهم وتسخّرهم في الاتجاه الذي سيخدم مصالحها، يمارسان لعبة "غمّيضة" مع عائلتي محجوبة سواء عائلتها البيولوجية الصحراوية في تندوف أو مع عائلتها الإسبانية بالتبني. وإذا كانت اللعبة قد انطلت على العائلة الأولى بممارسة المزيد من القمع والضغوط عليها من أجل عزل محجوبة ووضعها تحت المراقبة مخافة أن تهرب وتعود إلى إسبانيا، فإن العائلة الإسبانية لم تثق في تصريحات الجزائر و"البوليساريو"، وشنت حملة قوية عليهما كانت وراء قرار إقليم بلنسية إلغاء جميع المساعدات للانفصاليين في تندوف، وتعبئة الرأي العام الإسباني على الخصوص، والمنظمات الحقوقية الأوربية والدولية والجهوية حول ما سمته منظمة "هيومن رايت ووتش" نفسها بـ"الجريمة الخطيرة"، ثم دفع مدريد إلى الدخول على الخط لتطالب، رسميا، المعنيين في الجزائر وتندوف بضمان حرية التنقل والتحرك بدون أدنى تضييق، ورفع الحظر عن عودتها إلى مقر إقامتها وعملها بإسبانيا. حالة الأرق التي يعاني منها النظام الجزائري و"البوليساريو" جعلتهما يضربان أخماسا في أسداس. فالجزائر، التي ما فتئت تختفي وراء شعار أنها "غير معنية" بالموضوع، هي التي يقوم عناصر دركها وجيشها بضرب حراسة مشدّدة على مكان احتجاز محجوبة، وعلى مخيمات تندوف بكاملها؛ و"البوليساريو" تتذرّع بأن الأمر يهم بالدرجة الأولى عائلة محجوبة. وكلاهما يعرفان أن هذه العائلة مغلوبة على أمرها ولا يمكنها أن تقول غير ما تقوله لها قيادة الانفصاليين الفاسدة. إذا كانت قضية محجوبة التي استنفرت الرأي العام الدولي، ودفعت النظام بالجزائر، ومعه فصيلته التي تؤويه، إلى الحائط، لتجعله في حالة حرج شديد، علما أن هذا النظام يئن من مشاكل عديدة، فإن نفس القضية وضعت "الناشطة" أميناتو حيدر في موقف أحرج وأشد، هي التي دأبت على ذرف الدموع الوقحة من أجل حقوق الإنسان المفترى عليها في الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية، وتنتفض حين يتم القبض على أشخاص وتقديمهم إلى العدالة بسبب ما قاموا به من أعمال استفزاز وتخريب وقتل وافتعال الاضطرابات والتحرشات في بعض مدن الصحراء بتعليمات وتوجيهات من الجزائر؛ وتربط تلكم "الناشطة" الاتصال بأولياء نعمتها في الجزائر وبمحتضنيها في مركز روبير كيندي بأمريكا للقيام بحملة عشواء ضد انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في الصحراء. لقد جفّت مقل أميناتو حيدر من الدموع وخرس لسانها عن النطق بالحق الذي يراد به الباطل، وأصيبت بمرض الحول في عينيها، ممّا جعلها تحوّل النظر عن قضية محجوبة المرأة التي تمكنت من الاندماج في عائلتها الإسبانية بالتّبني، ومواصلة تعليمها بنجاح إلى مستوى طيب، فكان لا بد من إرجاعها إلى تندوف. وتم إعداد المقلب المناسب المتمثّل في مرض جدّتها الشديد وحثّها على المجيء إلى المخيمات، وهو ما اعتبرته محجوبة واجبا لا بد من القيام به من دون أن تدري أن أزلام "البوليساريو" في انتظارها. فكان ما كان. أما السينمائي الإسباني، خافير بارديم، الذي سلّط كل أضواء كاميراته لإخراج شريط "أطفال السحاب"، المموّل تمويلا كاملا من طرف صندوق البترول الأسود الجزائري، فإنه فقد القدرة على تحويل بوصلة تلك الكاميرا التي أصابها الصدأ، فجأة، بسبب الصهد الشديد بتندوف، وتعطّلت عن تصوير مشهد محجوبة المرهونة لدى "البوليساريو". أين هو نشاط أميناتو حيدر وحماسها المريب ودموعها الرقراقة حول انتهاكات حقوق الإنسان؟ وأين هو لسان خافير بارديم السليط، وعينه الوقحة التي لا تلتقط سوى الوقاحة حين يتعلق الأمر بالمغرب؟ جفت الدموع وخرست الألسن.
حمادي الغاري-النهار المغربية