مقدمة لابد منها :
ماذا تنتظرون من تربية الكراهية ؟ وهل تكفي 51 سنة لمحو آثار ما خلفته 132 سنة من الاستعمار الفرنسي في نفوس البعض من الشعب الجزائري ؟
أظن والله أعلم أن الموضوعية تقتضي اعتبار ما خلفته التنشئة الاجتماعية و التربوية لأباء وأجداد الجزائريين في نفوس الأحفاد في سلوك البعض وهم يتصدون للجرائم الفظيعة التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري طيلة 132 سنة ، فقد كانوا أول ما يواجهون به المستعمر هو الكراهية أولا وقبل كل شئ ، كراهية المستعمِر ومن والاه من الجزائريين كذلك ، ثم يُعِدُّونَ له ما استطاعوا من القوة لمحاربته وطرده من الوطن ، ومن أهم الآثار التي ستبقى طويلا ولن تزول بسرعة : الكآبة والحزن العميق والميل للنفور والتوجس الدائم وفقدان الثقة في الجميع والميل والاستعداد الدائم للكراهية وهي طريق تؤدي لأخلاق الخسة والدناءة ...
أولا : الشعب الجزائري بين انقلابين :
كان الشعب الجزائري ولا يزال شعب النبل والشهامة وما في المسلم من صفات العزة والكرامة ، لكنه وكأنه لم يخرج بعد من ربقة الاستعمار المقيت ، فقد كان للانقلابين على الشرعية في الجزائر أهم الأثر في استمرار وجود حكام يجثمون على صدره تربيتهم هي تربية الخسة والدناءة في الجزائر ، الانقلاب الأول كان على الشرعية الثورية التي قادها عسكر الحدود بقيادة بن بلة وبومدين وأسسوا دويلة عسكرية بلا عقيدة ، دويلة كلُّ ما ظهر منها على السطح هو كيانٌ قزمٌ يعكس صورة مشوهة للنظام الناصري في مصر ، دويلة تُسَـيّـَرُ بعقلية البلطجة والعهر السياسي وشراء ذمم الأفراد والدول .. أما الانقلاب الثاني فكان على الشرعية الشعبية التي اختارت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات ديسمبر 1991 حيث انتصرت – في هذا الانقلاب الثاني - مرة أخرى تربية الخسة والدناءة لحفدة الاستعمار برئاسة الجزار خالد نزار فذبح ربع مليون جزائري لتدعيم نظام قام بنيانه على نشر الكراهية والغدر ونشر السموم الدعائية ... وتدعيم نظام بنيت أسسه على الخسة والدناءة ونشر الكراهية والنفور ...
ثانيا : حكام الجزائر يتحالفون مع إرهاب الخارج ويذبحون أحرار الداخل :
من أروع ما قرأت في توصيف النظام الجزائري ما قاله الأستاذ خير الله خير الله ونُشِر في موقعنا الموقر " الجزائر تايمز " حول اعتداء العسكر الحاكم في الجزائر على مواطن مغربي حيث قال : " إن النظام في الجزائر متخصّص في سياسة تقوم على دعم الإرهاب خارج أراضيه والتعامل معه بقسوة متى تعلّق الأمر بالداخل الجزائري . الإرهاب خارج الجزائر جزءٌ لا يتجزّأ من "حق تقرير المصير للشعوب". أمّا الإرهاب داخل الجزائر، فهو إرهاب بكلّ ما في الكلمة من معنى. هذا الإرهاب الداخلي يجب اجتثاثه، في حين أنّ الإرهاب في الخارج يمكن التعاطي معه بطريقة أخرى مختلفة، خصوصا في حال كان يؤذي الآخر، خصوصا بلد مسالم مثل المملكة المغربية."
فكرةُ خير الله تؤكد ما ردده كثير من ضباط المخابرات الجزائرية الذين فرُّوا إلى الخارج وأكدوا غير ما مرَّة أن حكام الجزائر هم صانعوا الإرهاب في الجزائر وهم الذين ذبحوا ربع مليون جزائري في العشرية السوداء وهم الذين صنعوا الإرهاب في المنطقة المغاربية .. فالمغرب يجاور نظاما يصنع الإرهاب الخارجي ويتحالف معه ويموله في حين يذبحُ كلَّ جزائري رفع صوته بالحق داخل الجزائر ، نظام يذبح الجزائريين الأحرار في الداخل ويقتل الجيران العزل - غدرا – رميا بالرصاص ...
ثالثا : فراغ منصب الرئاسة في الجزائر يعمق عقدة الإحساس بالدونية لدى حكام الجزائر :
فراغ منصب الرئاسة في الجزائر اليوم شئ مؤكد ولا شك فيه والفوضى في تسيير الشؤون العامة في الجزائر عارمة وبادية للعيان والعميان ، ولما وقع حادث إطلاق النار على مواطنين مغاربة في الحدود الجزائرية المغربية كان من المفروض أن ينوب عن منصب الرئاسة الفارغ مؤسساتٌ للدولة ، لكن ليس في الجزائر مؤسسات ولم تكن في يوم من الأيام ، ومن المفترض أن تتعامل جزائر المؤسسات ( لو كانت ) مع حدث إطلاق النار على مواطنين مغاربة من طرف حرس الحدود الجزائري برصانة وإحساس بالمسؤولية أمام العالم وأمام الضمائر الحية في الداخل والخارج ، إذاك ستنال شرف النبل والشهامة الإنسانية وتطوي الملف بطريقة حضارية مؤسساتية تحفظ مياه جميع الوجوه ويتأكد للعالم أن الجزائر دولة مؤسسات فعلا حتى لو كان منصب رئاسة الجمهورية فارغا إلى حين ... لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا لأن تربيتهم هي تربية حظائر أجهزة ( شتازي ) والغيستابو والكاجيبي ومدارس الفاشيست الهمجية ... لقد ناب عن المؤسسات أفراد هم من دهاقنة الإجرام في الجزائر ومن خريجي مدارس القتل والتعذيب ، فكان قتل المواطن المغربي برصاص الغدر مثل وَخْزَةًِ في ظهر حكام الجزائر ليكون ردُّهم المتشنج دليلا على الإحساس بالدونية واحتقار الذات ، كان التشنج والنزق والطيش والتهور والمراهقة الفكرية هو الطابع العام للرد الجزائري على المغرب بخصوص حادثة إطلاق النار على مواطنين مغاربة وكنا أمام رد يعكس فعلا الحالة النفسية لحكام الجزائر التي يعرف العالم أن سفينتها يقودها شيوخ تبلدت أحاسيسهم وعَمِيَ بصرُهم فأصبحوا لا يرددون سوى أسطوانات صدئة بال عليها التاريخ ولفظتها كل شعوب الدنيا ، أسطوانات : القوة الإقليمية والمجاهدين ( المزورين ) والنضال والكفاح ضد المستعمر ومساندة الشعوب المقهورة في تقرير مصيرها وقبلة الثوار ووو... أصوات ممجوجة من الماضي السحيق تردد سخافات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، حكام يقودون دولة بعقلية البلطجة ويركزون كلَّ هَمِّهِم على شئ واحد يفكرون فيه ليل نهار وهو البحث عن البطاطا ليسدوا بها أفواه الشعب الجزائري ، أما أصوات الشعب إذا تحرك فترسانة الأسلحة المكدسة له بالمرصاد لحصد أرواحه وإعادة إنتاج عشرية سوداء أخرى وقد تكون عشرينية حمراء ... ألم يستفد بشار الأسد من نصائح عسكر الجزائر صاحب أكبر مذبحة ضد شعبه الأعزل ؟؟؟
رابعا : حكام الجزائر يقطعون اليد الممدودة بعدائهم المقيت
لا يمكن لعاقل أن ينكر أن ملك المغرب الحالي سن سياسة اليد الممدودة نحو الجزائر فور خلافة والده مباشرة وكان له السبق في ذلك ، ولم ييأس من ذلك بل حاول عدة مرات وخطبه لاتزال شاهدة على ذلك ، لكنه حينما تأكد من إصرار حكام الجزائر على التعنت والصلف والرهق السياسي قلب لهم ظهر المِجن وتغيَّر خطابه وأصبح يُحمِّل الجزائر مسؤولية كل فشل في تطبيع العلاقات وتصعيد التوتر بين البلدين ويظهر ذلك خاصة على مستوى التصلب في استمرار غلق الحدود وربط فتحها ربطا وثيقا بخروج الجيش الملكي المغربي من الصحراء الغربية وهو أمر مستحيل حتى ولو بقيت تلك الحدود مغلقة إلى يوم القيامة ودون ذلك خرط القتاذ عند كافة الشعب المغربي ...
وقابل حكام الجزائر سياسة اليد الممدودة المغربية بسلسلة من المواقف الدنيئة والتي تدل على تجذر تربية الخسة لدى حكام الجزائر ، فقد تكابروا وتكبروا وتنطعوا حينما قرر وزير الخارجية السابق السيد سعد الدين العثماني أن تكون أول زيارة له خارج المغرب ( للشقيقة ) الجزائر لكن حماسه قوبل بفتور وظهر – المسكين – كأنه مُغَفل وكأن حكام الجزائر ماكرون أذكياء لكن للعقلاء والحكماء في العالم رأي آخر ، إنها سياسة اليد الممدودة بالود والإخاء من طرف المغرب يقابلها نكران الجميل والغدر والخسة والدناءة من طرف الأجلاف الجلادين من حكام الجزائر .
خامسا : نظام الجزائر يزيد عزلة وانغلاقا على نفسه :
حينما تروج أخبار عن وساطات عربية لإطفاء نار الصدام المحتمل بين الجزائر والمغرب فهذا يدل على أن المغرب لم يتقبل الرد العنجهي المتنطع على فعلته الغادرة بقتل العزل من المغاربة وقرر التصعيد خاصة وأن النظام الجزائري مهزوم داخليا بل معدوم الوجود ولايحتاج إسقاطه إلا صفعة واحدة حتى تتناثر أشلاؤه ، والنظام الجزائري اليوم يعيش أضعف أيامه مما يطرح سؤالا جوهريا : مع من يتكلم هذا الوسيط العربي الذي قد يتدخل لتهدئة الوضع الذي أثاره إطلاق رصاص المعتوهين بالجزائر نحو المغرب ظلما وعدوانا ؟ فالجزائر اليوم معزولة دوليا وإقليميا فلا وجود لرئيس الدولة ، هناك فقط حكومة عجفاء شمطاء تخبط خبط عشواء ، وإعلام بدأ معالم التفكك تظهر عليه من خلال تجاذب الاٌقطاب المتصارعة على السلطة ...
سادسا : أمام جار ضعيف ومتهور المغرب يفعل خطة أمينة تحت اسم " حذر " :
لعل المغرب أدرك أن لا سلطة في الجزائر يمكن التعاطي معها وفَعَّل خطة اسمها " حذر " لأن الجزائر مهددة بانفلات أمني وشيك وخطير ، فقد أعلن وزير الداخلية المغربي محمد حصاد عن القرار الملكي من أجل تعزيز المخطط الوطني الجاري به العمل حاليا لمكافحة مختلف المخاطر التي تتهدد المملكة المغربية.وذكر بلاغ لوزارة الداخلية، أنه سيتم لهذا الغرض تفعيل آلية جديدة للأمن، تحت اسم "حذر"، تضم القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والشرطة والقوات المساعدة مضيفا أنه سيتم تفعيل هذه الآلية بشكل تدريجي لدعم عمل مصالح الدولة في حماية المواطنين والزوار الأجانب، وستغطي هذه الآلية مختلف المواقع الحساسة بالمملكة ...( انتهى بلاغ الداخلية المغربية ) ...
إياكِ أعني واسمعي يا جارة ...
إن من يُصِرُّ على قطع اليد الممدودة ، ويتشدق بأخلاق السفهاء بكل صلف وتنطع وبذاءة أمام العالم ، ويستخف بأرواح الناس يُزْهِقُها غدرا ، لا بد له أن يستحضر يوما قول الحكماء : " احذروا الحليم إذا غضب ".. ولعل المغرب قد فَعَّلَ خطة " حذر " وبين عينيه دناءة حكام الجزائر وسفاهتهم وجعلها في صلب خطته الأمنية المذكورة ، كل آليات الردع قد تحركت في كافة جهات المغرب وأقاليمه وعلى رأسها طبعا – وبكل قوة وحزم – أقاليم الصحراء الغربية التي ستصبح في حالة طوارئ قانونية ...
فإلى أية هاوية سحيقة ستهوي الجزائر التي ينخرها مرض العظمة الفتاك ، والتمسك بسياسة البروباغاندا والدعايات الكاذبة التي تغذي الكراهية فقط من أجل دعم النظام الشمولي الهمجي في الجزائر ...
عود على بدء :
مما لاشك فيه أن إسقاط نظام الخبث والكراهية والخسة والدناءة والإجرام في الجزائر وهو الذي يجثم على صدر الشعب الجزائري منذ 51 سنة والذي عانى منه و لايزال ، مما لاشك فيه أن إسقاط هذا النظام هو حل حاسم وجوهري في انعتاق شعوب المنطقة المغاربية برمتها ، انعتاقها من عقليات جزائرية عتيقة همها الوحيد هو نشر الكراهية المقيتة في المنطقة المغاربية ، فتونس تتعافى تدريجيا نحو بناء دولة ديمقراطية حقيقية والمغرب يخطو بثبات نحو ملكية برلمانية تظهر معالمُها في عموم النشاط السياسي الصحي رغم كل المآخذ ، وليبيا لا تحتاج سوى أن تبتعد عنها أيادي الشر الجزائرية لتستجمع قواها وتدعم وحدتها الوطنية ...
مستقبل الجزائر بيد أحرار الجزائر النبلاء وليست بأيادي أفاعي فرنسا الكريهة ... لابد للشعب الجزائري من الانقلاب على الانقلابين ليعود كما كان أجداده في الزمن الذي لم يكن يعترف قط بالحدود ...
سمير كرم ا لجزائر تايمز