لا أدري إن كان معاذ بلغوات سيقرأ هاته الرسالة أم لا لأن الانطباع الذي تركه لدي يوم الجمعة الماضي عقب لقاء قناة “الحرة” الأمريكية هو أن علاقته بالقراءة سيئة نوعا، لكنني مهتم للغاية بتوضيح بعض الأمور التي مرت خلال هذا اللقاء.
أولا لم أستهزأ بمعاذ وبأميته إطلاقا. استهزأت من قدرته على تناول مواضيع يلزمها الكثير من العلم قبل تناولها، واستهزأت من استسهاله المرور إلى الحديث عن أمور كبرى (نظام البلد ونشيده الوطني وآفاق التغيير فيه والحديث عن السياسة وعوالمها المتشعبة) دون أن تتوفر له ملكات هذا الأمر.
بالنسبة لي الأمية لا تعني شيئا إذا كانت أمية مدرسية فقط، الأمية التي أرهبها، أخشاها، أتخوفها، أصاب بالرعب منها هي أمية المثقفين، أولئك الذين يرطنون بالشعارات الكبرى ويمضون. هؤلاء أخافهم وأعتبرهم خطرا على بلدي.
عانينا لسنوات منهم ومن أمثالهم ولا أريد من الجيل الجديد أن يبني أوهامه على أمثالهم. بصراحة: اصنعوا لكم رموزا تقدرونها وتقدمونها لحظة الحديث باسمكم، لكن اختاروا جيدا هاته الرموز. لا تضحكوا الآخرين علينا، وتذكروا أننا في النهاية نمثل بعضنا البعض، وسيقال “مغربي” عن أي واحد منا تصدر للحديث باسم الجموع.
ثانيا أن يعارض معاذ النظام أو ألا يعاديه الأمر لا يهمني. هذا اختيار شخصي وأحترمه رغم أن العديدين قد يتصورون عكس ذلك. ما لاأحترمه هو أن تكون هاته المعاداة مبنية على الباطل، على الادعاء، على الجهل، على الغباء، على التكالب مع الأجنبي على وطني.
العديدون يلعبون بمعاذ لعبة سبق لهم أن لعبوها بأسامة وبآخرين، وحين سيسقط سقطته الأخيرة، لن يتذكروه. سيمثلون دور من نسي إسمه أصلا، وسيقولون له “ماعقلناش عليك آولدي”.
ومن حق معاذ طبعا أن يصدق هؤلاء الذين يدفعونه إلى الواجهة، ثم يختفون لكي يضحكوا منه في الخفاء معتبرينه مجرد عود ثقاب سيشعلون به بعض النار التي يريدونها أن تأكل البلد وبعد ذلك لا بأس أن ينطفئ وأن يلقوا به في سلة المهملات.
ثالثا لايمكنني إطلاقا أن أكون ضد صغار وطني، أو ضد الشباب الصاعدين أو ضد مواهبهم. هذا الأمر يتعارض مع جيناتي المكونة، وكل ماصنعته وأفتخر به في سنوات ممارستي للمهنة، وهي سنوات قليلة للغاية مقارنة مع الرموز الكبرى لحرفتنا هو تشجيع أي موهبة وإن كنت لا أعرفها إلا عبر الهاتف أو الأنترنيت أو عبر صديق مشترك. لا عقدة لدي في الموضوع، وعانيت كثيرا حين كنت أرغب في نشر أولى مقالاتي وأنا يافع وفهمت أن مصيبة كبرى إسمها الشللية و”باك صاحبي” تضرب المشهد الصحافي والعام المغربي في مقتل، لذلك عاهدت نفسي على أن أحاربها وفق استطاعتي، وأن أمنح الفرصة للجميع في المجال الذي هو مجالي.
لكنني بالمقابل لا أقبل الرداءة بمبرر تشجيع الشباب. الرديء رديء لدي، وإن كان كهلا أو شابا أو شيخا، والموهبة الحق – وفق رأيي الذي يحتمل الصواب والخطأ لكنني أدافع عنه باستماتة – هي الفيصل.
حلمي أن أناقش شابا صغيرا مثل معاذ ألقى به البعض في أتون نار أكبر منه، وأجد لديه مبررات موضوعية وأقاويل ثابتة يستند عليها، وفكرا يؤسس عليه ما يفعله، ولغة يتحكم فيها ويتقنها، دارجة أو فصحى أو فرنسية أو إنجليزية أو أمازيغية أو عبرية حتى. حينها سألتمس العذر للجرائد التي تضع صوره في صفحاتها الأولى وتجري معه الحوارات وتقدمه لنا باعتباره “تشي المغرب”. سأقلدها فورا وسأسعى لإجراء حوار معه بأي وسيلة.
لكن معاذ ومن يتبعون معاذ لا يملكون شيئا حقيقيا يقولونه للناس. هم يسبون مخالفيهم فقط، والسب مسألة ليست سيئة بشكل تام.
هو طقس مساعد على التفريغ لكنه لا يحل الإشكال.
البلد يحتاج منا إلى ما هو أكثر من السخرية منه أو “التمنييك” عليه أو سبه وسب كل من فيه.
البلد يحتاج عقولا تبنيه، وأبناء يحبونه دون أن ينتظروا منه أي مقابل على الإطلاق.
الحب لوجه الوطن، لا لوجه الكريمة أو الوسام أو المقابل المادي والحب الدائم لا الحب الذي يقلب “الفيستة” فور المساس بالمصلحة.
هذه رسالتي إلى صديق هو ليس صديقي طبعا، لكنني من نوع يتمنى لو أن أبناء هذا البلد كانوا جميعا أصدقاء.
أعرف أنه المستحيل، لكن “هاد الشي اللي عطا الله والسوق”
في انتظار العثور على عقل نتصادق معه، لا عزاء للبلد في بعض كوارثه، فعلا لا عزاء
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
نتابع في المغرب الحدث السياسي التونسي باهتمام بالغ، ونحس أن هذا البلد، بشعبه، وبرئيسه المحترم للغاية وبقواه الحية قادر على أن يقدم بالفعل نموذج توافق رائع يغني عن صدامات تهز دولا أخرى، ويغني عن انفعال نراه حاكما في البلد الجار لنا الجزائر.
تونس العالمة، بلد القيروان كانت دائما النموذج رفقة أخيها في الاستفادة من درس إبن خلدون الأبدي : المغرب.
المختار لغزيوي