يبدو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كرجل عجوز في فيلم بوليسي، يجلس خلف الباب، على كرسي متحرك ويدمن النظر إلى صوره، وكلما سمع نغمة صوت أو حفيفا سحب بندقيته ووجهها إلى الباب، في انتظار الزائر الغريب.
عادة تكون الشخصية مسكونة بهواجس ماض مرعب، أو وساوس لا تتفكك مع الزمن.
بعيدا عن ملامحه السينمائية، لايشتغل صنيعة الجيش الجزائري والمركب المصالحي السياسي المهيمن على البلاد، بغريزة بدائية فقط مع المغرب، بل هو يستعيد الدروس البدائية نفسها في الحروب العسكرية السياسية، القاضية بالحكمة التالية: كلما كان هناك احتقان في الداخل ابحث لك عن عدو ومنفذ في الخارج.
ولذلك، عندما تم «إيداع» عبد العزيز بوتفليقة داخل الكرسي الرئاسي، كان انتقال المؤسسة الحاكمة في الجزائر إلى تصدير الأزمة إلى المغرب، مسألة وقت فقط.
فلا شيء في السياسة يخلق للجزائر أفقا لانتقال ديمقراطي متدرج، ولا شئ في الاقتصاد استطاع أن يلجم البطالة ويخلق فرص الشغل، أو أن يبني اقتصادا قادرا على تحريك القناطر المقنطرة من الذهب الأسود وينعش الدورة الاقتصادية للبلاد بما يمكنها من أن تدخل في دورة الدول غير الريعية.
ولا يبدو أن المصالحة الوطنية استطاعت أن تكسر بشكل نهائي النزوات الإرهابية والمتطرفة المعششة في البلاد.
فهي تملك الحدود الملتهبة مع ليبيا، والتي تجعل بالإمكان تعبئة الجيش، عاطفيا وعسكريا، ضد الحدود الشرقية لها، لكنها لا تملك العداوة الكافية ضد ..الإرهاب والفلول المتطرفة، بالقدر نفسه الذي تملكه إزاءنا.
وليس الحدود مع الجارة الصغيرة تونس، في مأمن، بالقدر الذي تعيش به الحدود الجزائرية مع المغرب الآمن التام، باعتراف المسؤولين أنفسهم.
ومع ذلك فإنها تحتكم دوما إلى العداء لكي تصنع الحدث المغاربي.
الجزائر تسعى بالرغم من قتلها المدنيين، إلى تقديم نفسها كضحية لهجوم مغربي مشكوك فيه: والحقيقة أن المغرب يقدم الضحايا وهي تقدم التفسير الذي يجعلهم ..أعداء حذرين!
ما الذي تريد الجزائر في لحظة من قبيل اللحظة التي نعيشها،
إنها تريد، في التقدير البسيط للحالة، أن يسود الشعور بأن الحرب ممكنة بين البلدين، وأن إطلاق النار على المدنيين ليس محرما، وأن المغرب غير قادر على الرد بالمثل، وأن سيادة الشعور بالحرب هي المقدمة الضرورية لها، وأنها لا يمكن أن تظل في معزل عن حالة الاحتقان السائدة شرقا وجنوبا..
إن كل عناوين الجارة الصعبة هو إعطاء الشعور بأن البلد هدف، وأن القناص هو الجيش الجزائري..
والعدو الذي يتطلبه التوازن الداخلي في البلاد ، يمكن اللجوء إليه في كل مرة، بدون أداء الثمن.
فلم تمض سوى ثمانية أشهر على الهجوم المرفوض على مركز حدودي مغربي، بفجيج، حتى عاد الرصاص من جديد إلى الحدود المغربية الجزائرية..
وهي العودة التي ستترك صداها بأكثر مما تتصور الجارة الشرقية: فالوضع ملتهب جدا في المنطقة، في الساحل كما في شرق المتوسط، وعوامل الانفجار لا يمكن أن يتحكم فيها طرف وحده، مهما بلغت قدراته العسكرية، مع تفكك الدول في المنطقة وسقوط الحدود في وضع التهاب غير مسبوق..
بل إن الحرارة التي كانت تطبع بؤر التوتر «الكلاسيكية» لم تعد هي الأعلى، بل انتقلت الحرارة إلى بؤر جديدة وأكثر اتساعا وعابرة للحدود الثنائية.
إن الوعي بكل هذه المخاطر ليس بالضرورة شرطا لقبول بكل التجاوزات الجزائرية، والرعونة التي تقضي على صورة المغرب أمام مواطنيه وشركائه الرئيسيين في المنطقة.
وأول ما يمكن العمل به هو اللجوء إلى مجلس الأمن، سواء كان ذلك لتطويق الموقف أو لغير تطويقه، وتجاوز الموقف الرسمي الذي لا يتجاوز عقد ندوة، وإعلان سوء الفهم والتنديد.
لا بد من خطوة تجعل الجزائر مسؤولة أمام الرأي العام .
وتحدد للمغرب الأفق الذي يجب أن يضع فيه الدفاع عن سيادته وسلامة مواطنيه.