وهاهي الجزائر الحائرة في مصير رئيسها المحتضر، الباحثة له عن حل ولنفسها عن مخرج خصوصا بعد أن دفع صراع مراكز القوى داخلها أعوان الشرطة إلى محاصرة قصر الرئاسة (هاهي هاته الجزائر) تصل مع المغرب الحدود القصوى التي لا يجب بلوغها ويطلق جيشها من الحدود النار على مواطنين مغاربة بغية قتلهم (إصابات في الرأس واضح الهدف منها)وذلك في تصعيد ولا أخطر من الضروري الرد عليها بالحزم الذي كان من طرف الحكومة المغربية السبت أو أكثر.
لفهم ماوقع لا يتطلب الأمر ذكاء خارقا ولا عبقرية سياسية نادرة. ماوقع سببه الحالة المحتقنة اليوم داخل الجزائر والبحث عن طريقة ما لتصريف انتقال غير سلسل للسلطة من الرجل المريض (أو المحتضر حسب آخر الروايات) إلى رجل آخر يكون مقدورا عليه من طرف الجنرالات. العسكر ينتفض في غرداية، والقوات الخاصة تنتشر في الشوارع الجزائرية الكبرى. الشرطة تحاصر قصر الرئاسة، والجنرالات استعانوا بالحرس الجمهوري من أجل تفادي الأسوأ ومنع اقتحام هذا القصر. الجماعات المسلحة تنتظر فقط الضوء الأخضر واللحظة المناسبة لكي تعيد إلى الجزائر رعب تسعينياتها يوم كانت منبطحة أرضا بين أيدي الإرهابيين من كل مكان، ويوم رفض المغرب إطلاق رصاصة الرحمة على نظام “تبومديينيت” الذي لازال يحكم الجزائر رغم موت بومدين، وقال إن الإرهاب لا ملة له وأن معنى القبول بانتصاره في الجزائر هو القبول بأن ينتصر غدا في المغرب.
وضعية مثل هاته من الضروري البحث لها عن قناة تصريفية، عن طريقة ما لتحويل الأنظار عنها. حكاية الخضر والمنتخب وكأس إفريقيا التي لا يريد “المخزن المغربي” أن تفوز بها الجزائر في قلب الرباط لم تلاق الإقبال المطلوب لدى الجزائريين. بصريح العبارة هم لم يصدقوها وفهموا أن دولتهم تبيع لهم الوهم مجددا، فكان من الضروري المرور إلى السرعة القصوى.
جنود الجيش الجزائري يطلقون النار على مواطنين مغاربة مدنيين، وعزل، وسفير الجزائر في الرباط يقول إنه لم يكن يعلم بحادث إطلاق النار، وأنه يطلب مهلة للتشاور والرد.
المهلة أعطيناها للجزائر منذ سنوات وسنوات، وأبدا لم تتشاور، وأبدا لم ترد. فقط اكتفت بتصريف عدائها لنا مرة الأخرى بكراهية أكبر. من أسلحة ضربنا ذات يوم لنقل الإرهاب إلينا في أطلس إسني بمراكش، إلى إغراقنا بالدواء القاسد وحبوب الهلوسة، فالعمل على زعزعة استقرار المنطقة الحدودية، دون نسيان الكبيرة التي تقض مضجع شعب المغرب باستمرار: تمويل وتسليح جماعة إرهابية وتقديمها للمجتمع الدولي باعتبارها حركة تحررية تريد استعادة أرض لم تكن لها في يوم من الأيام.
ما العمل الآن؟
عند سؤاله في القناة الثانية عن موقف الحكومة المغربية وكيف سترد بحزم على هذا التصعيد الخطير سرد وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة الخطوات التي تمت السبت: استدعاء السفير وإصدار لاغ حازم حاسم، ومتابعة الوضع دوليا بإخطار المنتظم الدولي باللعب بالنار الذي انخرطت فيه الجزائر، لكن هل الأمر كاف؟
لانريد إعلان حرب مع هذا البلد الجار – وإن كنا عمليا غير بعيدين عنها من جانب الجزائريين على الأقل – لكن ينبغي أن يفهم الجنرالات هناك هم والعقلية الاستعمارية التي تحركهم أن حرمات هذا البلد لا تمس، وأن دم المغربي ليس رخيصا وأن الحكاية – إن كان ضروريا لها أن تكتب من جديد في الرمال وفي غير الرمال – فلامشكل.
جيشنا – وهنا لامفر من الافتخار والاعتداد بالأمر – الأفضل في المنطقة كلها، ووحدته لا تقبل كلاما، وانضباطه تجاه وطنه درس في الوفاء لايمكن للجزائر أن تستوعبه أبدا وهي تعيش صراعات الجنرالات داخل الجيش، وصراعاتهم داخل الشرطة،وصراعاتهم داخل الأجهزة الاستخباراتية وصراعاتهم داخل القوات الخاصة، بل وصراعاتهم داخل قصر الرئاسة بين راغب في تسريع الحسم وإعلان موت بوتفليقة والمرور إلى شيء اخر، وبين متريث يتساءل ما الذي سيرحبه إن تم هذا الإعلان.
شعبنا موحد وراء قضيته الأولى : الوحدة الترابية، ثم قضيته الأساسية: التنمية والعثور على طريقة واضحة للانضمام إلى ركب الدول الصاعدة، ومؤمن بالاستثناء المغربي، وبقدرة البلد وقيادته على الاستشراف لتفادي الكثير من المصائب التي سقط فيها الجيران بسبب قلة تجربتهم أو قلة ذكائهم أو بسبب الإثنين معا.
استعدادنا هنا للذود عن الوطن وحماه، وعن مقدساته وثوابته لا يقبل أي نقاش، ومن سيتطاول علينا أو سيمسنا سيجد من المغاربة شكلا آخر ربما لا يعرفه، لأننا حين البأس أناس آخرون مختلفون تماما عن الأناس الطيبين الذين يمضون اليوم بطوله في قبول كل الترهات مهما أساءت إليهم.
من مصلحة الجزائر فعلا أن تركز مع لحظة مرور الموت منها من بوتفليقة إلى مرشح آخر، وأن تعتذر بصراحة ودون التباس عن الفعل الجسيم الذي ارتكبته،ومن حق المغرب أن يواصل بنفس الحزم التعامل، فالبعض لا تنفع معه الكلمات الطيبة مهما انتقيتها بكل عناية
حفظ الله المغرب من حساده ومن كل سوء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
حسبما رشح من التحليلات الطبية والسياسية التي رافقت مرض أحمد بن الصديق – شافاه الله – فإن الدولة المغربية ملزمة بأن تقوم بفحص طبي لكل المعارضين “شيك آب جماعي” لئلا تجد نفسها إذا ما “سخف” أحد أو “غيب” أحد، أو أصيب ثالث “ببوزلوم” ملزمة بتبرئة نفسها أنها لا تقف وراء هذا المرض.
أحيانا وفي غمرة قراءة بعض المصائب المضحكة المبكية، تكاد تسأل نفسك إن كان من يكتب ملزما بفحص مماثل ليس على أعضائه العادية، ولكن على عضوه الأهم: العقل من أجل التأكد من السلامة النفسية فقط لاغير
المختار لغزيوي