يعلون ( نائب إسرائيلي ) : "حكم ديمقراطي في العالم العربي يعني تغيير كل قواعد اللعبة التي ألفتها إسرائيل على مر عقود" .
منذ أن حصلت الأقطار العربية على "استقلالها" ، و شعوبها تواجه ضروبا من العسف و الجبروت ، و ألوانا من الفساد و الاستبداد و قسوة حكم سياسي فردي ، تحت "رحمة" زعماء أزليين ، فشلوا في إنجاز المشاريع القومية الهيكلية ذات المنحى الوحدوي و التحرري ، و إنجاز إقلاع تنموي تقدمي ، و نجحوا في تجفيف ينابيع قيم الحرية و العدالة و الكرامة الإنسانية .. و بعد أن جرت مياه متدفقة تحت جسر الكيان العربي الجريح ، بفعل الهزائم السياسية و العسكرية و الحضارية النوعية ، اهتزت ساحات التحرير العربية بشكل غير مسبوق ، و في أكثر من بلد عربي للتنديد بالمسلكيات السياسية الرعناء ، و المطالبة بإسقاط الأنظمة المتهالكة و منتهية الصلاحية ، و إقامة أنساق ديموقراطية حديثة بحصر المعنى .. و هكذا أزيحت طواغيت حكمت شعوبها بالحديد و النار ، و أقيمت استحقاقات انتخابية في بلدان الربيع العربي ، و في مناخ من الحرية و الشفافية و الحياد ، شاركت فيها مختلف الهيئات السياسية العلمانية و القومية و الإسلامية .. أسفرت عن فوز الأحزاب الإسلامية المعتدلة ، وانهيار التيارات التقليدية " المألوفة" ، و ما أن تسلم "الوافدون الجدد" مقاليد الحكومة لتدبير الشأن العم ، حتى قام رافعو اليافطات الليبرالية و الحداثية و لم يقعدوا ، منتقدين "أداء" الحكومات الإسلامية المنتخبة شعبيا ، و منددين ب"النوايا المبيتة" للإسلام السياسي في الانقلاب على المنهجية الديمقراطية ، لا بل إن حساسيات علمانية "جدا" و ضعت يدها في يد الجيش"القومي" للانقلاب الدموي على الإرادة الشعبية ، و لتذهب الديمقراطية إلى الجحيم ! ! و هكذا نهجت الفقاقيع الحزبية العربية سبيل العالم "الحر" ، ممثلا في أمريكا و إسرائيل و الغرب عموما ، و نقصد حرمان العرب من أي منجز ديمقراطي يمس بالمصالح الإستراتيجية للإمبريالية العالمية ، و تحديدا أمن إسرائيل و حماية النفط "العربي" ، و تقويض أي تنسيق عربي وحدوي مخصوص ! و الآن عوض أن تكون الأضواء مسلطة على سارقي الأحلام ، و قاصفي البلاد و العباد بالبراميل المتفجرة كما هو الشأن بالنسبة لزعيم " الصمود و الممانعة" الديكتاتور بشار الأسد ، تحولت الآلة الإعلامية الأمريكية و الأوروبية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" ، الذي "يهدد" السلام العالمي ! لقد أجمع التحالف الدولي أمره "عشاء" لوضع حد لهذه الجماعة المتشددة . و لئن كنا نقر بخطورة الطابع الدموي الإرهابي لهذا التنظيم "الإسلامي" ، البعيد كل البعد عن القيم الإسلامية الخالدة الداعية إلى التنوير و الانفتاح و التسامح .. فإننا لا نجد صعوبة – و غيرنا من المعنيين بالشأن السياسي العربي و الدولي – في الكشف عن أسباب نزول هذا التنظيم التكفيري ألإقصائي ، أقلها غطرسة الولايات المتحدة الأمريكية و استباحتها للأراضي العربية ، وتدمير عناصرها الوجودية ، و إرهاب الكيان الصهيوني المتواصل ضد فلسطين و الأمة العربية ، و فساد المؤسسات الرسمية العربية و استبدادها الوحشي .. مما يدفع ببعض الشباب العربي المحبط و المحروم إلى الارتماء في أحضان التيار "الجهادي" الذي يتطلع إلى استرجاع "الخلافة الإسلامية"، و لو عن طريق التغول في دماء المخالفين في الرأي "شرقا و غربا" !
إن التحالف العالمي الحالي ضد الإرهاب لن ينجح في القضاء على الجماعات المتشددة ، بالرغم من استعانته بآخر صيحات السلاح الجوي و الأرضي ، و الجيوش الدولية فائقة التدريب ، لأن مربط الفرس يتجسد في المعطى الأيديولوجي – العقدي و الحاضنة الشعبية و اسعة الانتشار ، بسبب الإحساس بالضيم و الكيل بمكاييل مختلفة ! بل إن هذا التحالف ساهم إلى جانب البيترودولار العربي في تفريخ الخلايا الإرهابية لتدمير الخصوم و إسقاط الإسلام السياسي المعتدل الذي ، و على الرغم من اختلافنا معه في عديد من القضايا السياسية و المجتمعية المحورية ، أبان عن كفاءة تنظيمية و قدرة على المساهمة التشاركية ، قد تعصف بقواعد اللعبة السياسية الناعمة ، و تنزع إلى إنجاز تجربة ديمقراطية نموذجية مستقلة ، كما رسمتها دماء شباب الربيع العربي المجهض ! إن الكرة في مرمى النظام الرسمي العربي لا غير ، فهل سيستمر في الاستسلام للمخططات الجهنمية ، الداعية إلى الاقتتال الداخلي و إشعال حرائق النزعات الطائفية ، و إهدار المال العام في "اقتناء" أسلحة لن تستعمل إلا داخل الأقطار العربية ؟ أم أنها ستنصت ( و لو مرة واحدة في حياتها السياسية ) إلى صوت الشعب العربي ، الذي لا يطلب أكثر من الكرامة و العدالة و الحرية و الديمقراطية المتعارف عليها دوليا !؟
الصادق بنعلال : كاتب من المغرب