لم تعد قضية الأمير مولاي هشام أسيرة أعمدة المجلات الفرنسية، بل وجدت لها صدى كبيرا في الصحافة العربية التي تناولت بالتفصيل المؤامرة التي كان يحيكها "الأمير المنبوذّ" بتنسيق مع الملاكم النصاب زكرياء المومني، ضد محمد منير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة للملك محمد السادس.
فبعد الموقع الإلكتروني "إيلاف" لصاحبه عثمان العمير، تناولت صحيفة "العرب" اللندنية، ذات الفضيحة، في عددها الصادر بتاريخ 10 أكتوبر الجاري.
فتحت عنوان رئيسي:"متابعون يُرجعون محاولات الأمير مولاي هشام للمس بسمعة بلاده إلى طموحه في تقمّص دور البديل والبحث عن دور"، وعنوان فرعي:"الدوران في الظل يدفع مولاي هشام للبحث عن دور"، توقفت الصحيفة في مقال تحليلي، عند الخلفيات التي تحرك الأمير اختار أن يرتدي منذ سنوات عباءة المعارض، واختار الولايات المتحدة لتكون منفى (اختيارا) له، فيما اختار فرنسا وأسبانيا، منبرا ليبثّ من خلاله أفكاره وآراءه "المعارضة"، أما إمارة ليشتنشتاين، التي تعتبر جنة ضريبية لإخفاء التحويلات المالية المشبوهة، فاختارها مقرا لمؤسسة بحثية تحمل اسمه ومهمة باحثيها الإساءة للمغرب ولمؤسساته والتشكيك في نزاهة المؤسسة العسكرية وتشويه صورة الأجهزة الأمنية المغربية.
ولقد سعى مولاي هشام في بداية حربه أن يقدم نفسه في صورة الباحث والمفكّر المعارض، الذي يحارب بسبب أطروحاته التي تدعو إلى التغيير، لكن، مع مرور الوقت بدأ يظهر أن الصورة التي يريد أن يرسمها على نفسه كاذبة، وإلا كيف لشخص يتحدّث عن العدالة الاجتماعية أن يتجاهل حقوق 100 عامل غير مصرح بهم يشتغلون بإحدى ضيعاته في منطقة تارودانت و يختار استثمار أمواله في الخارج؟
ولم يذخر مولاي هشام منذ سنوات جهدا للتشويش على حكم الملك محمد السادس، غير أن أطروحات صاحب "ثورة الكامون" لم تجد لها أي صدى في صفوف وسائل الإعلام التي يدفع لها من أجل الترويج لها، لأنها وفق الخبراء لا تحمل مضمونا بنّاء بقدر ما تسعى إلى التشكيك في المسار الإصلاحي وزعزعة أفكار الرأي العام وقناعاته داخل المغرب وخارجه.
وفشلت هذه المحاولات أيضا لأن المنظومة الأكاديمية والإعلامية الدولية لم تعد ترى في أطروحات مولاي هشام وتقاريره ومحاضراته أي روح إيجابية تؤمن بالإصلاح والتغيير بقدر ما هي روح سلبية تحمل معولا للهدم وخلق حالة من الصدام بين الشعب والمؤسسة الحاكمة، وتسعى أساسا إلى التشويش على مسيرة الإصلاح والبناء.
في ذات السياق، يبني الخبراء حججهم بشأن فشل مساعي مولاي هشام، على التعارض البيّن بين تقارير مركز أبحاث "مؤسسة مولاي هشام"، التي تتحدّث عن "أرقام مخجلة" في النمو ومستوى الرفاهية في المغرب، وبين ما تكشفه دراسات المنظّمات الدولية وتقاريرها المعروفة بمهنيتها على غرار البنك الدولي الذي أعلن في أحدث تقرير له أن الإصلاحات الهيكلية في المغرب بدأت تؤتي ثمارها وينتظر أن تتسارع وتيرة النمو خلال العام المقبل.
وتؤكد مثل هذه الإشادات الرسمية، فشل "الأمير المنبوذ"، كما وصف مولاي هشام نفسه، في كتاب صدر مؤخّرا وتوقّع أن يكون المعول الذي سيزعزع به استقرار المغرب، لكنه فشل ، مثلما فشلت محاولات أخرى سابقة، وباعتراف النقاد الفرنسيين كانت أولى الخيبات التي مني بها مؤلف الكتاب ومساعدوه وناشروه أن سمحت السلطات المغربية بدخوله للبلاد، على خلاف ما روّج ضمن حملة إعلامية لم تكن تخلو من المكائد التي "تستهدف في الجوهر العائلة المالكة واستقرار البلد"، حسب هؤلاء النقّاد.
ويصف الإعلام الفرنسي الحرب "الخفية" التي يشنّها مولاي هشام ضدّ بلاده، بـ"الحرب بالوكالة"، فالأمير نادرا ما يظهر في الصورة، لكنّه لا يتوانى عن توظيف الملايين من أجل تمويل حملات ممنهجة تهدف إلى التشويش على الاختيارات والتوجهات السياسية الداخلية والخارجية للمغرب. فمثلما طوّع الملاكم زكرياء المومني ودفعه إلى رفع القضايا ضدّ مسؤولين مغاربة أمام محاكم أجنبية، حاول زرع البلبلة في صفوف القوات المسلحة الملكية عبر استغلاله قضية الضابط السابق مصطفى أديب وتوجيهه أواخر 1999 إلى ربط الاتصال بالصحفي الفرنسي جان بيير توكوا المشتغل آنذاك بصحيفة "لوموند" من أجل التنديد بالرشوة والزبونية داخل المؤسسة العسكرية المغربية، حسب زعمه.
ومن أجل دفع مصطفى أديب لإتباع مخطط مولاي هشام في هذا الإطار، منح هذا الأخير مبلغ 20 ألف أورو واعدا إياه بمدّه بـ80 ألف أورو أخرى، لكن الأمير لم يف بوعده مما دفع أديب إلى فضح مناوراته على أعمدة مجلة "Jeune Afrique" عدد شهر سبتمبر 2008.
في إطار نفس المخطط، حاول الأمير مولاي هشام الإيحاء بوجود مجموعة من العسكريين المتمردين على المؤسسة العسكرية منضوين تحت ما يسمى "حركة الضباط الأحرار"، مستعدين للتحالف مع ما يسمى "بالديمقراطيين" المغاربة من أجل "إصلاح النظام الملكي"، وذلك باللجوء إلى مجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية المعروفة بتحاملها على المغرب (الباييس الإسبانية ولوموند الفرنسية وأسبوعية لوجورنال).
كلما صدر تقرير دولي يصب في صالح السياسة الإصلاحية التي يقودها الملك محمد السادس، يصدر بالتزامن معه تقرير أو مقال صحفي يشنّ حملة ضدّ المؤسسة الملكية في المغرب، وغالبا ما يكون المقال منشورا في صحيفة فرنسية أو إسبانية، وكاتبه أحد الصحفيين المغاربة "المعارضين" أو قلم من الأقلام الأجنبية المعروفة بمناوأتها للمغرب.
ولئن نفى بعض المشكّكين علاقة مولاي هشام بهذه الحملات الصحفية، بحجّة أن ما يكتبه هؤلاء الصحفيون يندرج ضمن حرية التعبير، فإن هناك مؤسسات مدعومة علنا من الأمير وتوجّهاتها معروفة، على غرار جمعية "الحرية الآن" (غير مرخص لها)، التي تضم أسماء معروفة بمواقفها الراديكالية وتوجهاتها المعارضة للنظام الملكي وللوحدة الترابية للمغرب؛ وأيضا "مؤسسة مولاي هشام" التي تضمّ لجنة "علمية" مكونة من باحثين من جنسيات مختلفة تتقاسم معه نفس التصورات المتحاملة على الأنظمة الملكية بالعالم العربي.
وتعدّت هذه المؤسسة حدود الشأن المغربي لتتدخّل في شؤون دول أخرى عبر التنظير لأحداث الربيع العربي وسياقاته التاريخية والسوسيولوجية، مع محاولة تكريس فكرة أن موجة أخرى من هذه الاضطرابات مرشحة للحدوث في المستقبل القريب في البلدان التي لم تشملها الموجة الأولى.
وبموازاة حرصه على الترويج لنفسه باعتباره ضحية للمسؤولين على المؤسسات الأمنية بالبلاد، يعمد مولاي هشام إلى تبخيس المجهودات التي تقوم بها هذه المصالح في سبيل الحفاظ على أمن المملكة واستقرارها.
يرجع مختصون محاولات الأمير مولاي هشام للمس بسمعة بلاده إلى أن الأمير يرغب في تقمّص دور البديل الأنسب لتسيير أمور البلاد.
وكان الصحفي المغربي عبدالرحيم أريري، مدير نشر جريدة "الوطن الآن"، كشف في حوار سابق مع صحيفة "العرب" أن الأمير المغربي لا يتردّد في "التحوّل من الأقصى إلى الأقصى دون بوصلة"، من أجل تحقيق غايته.