هذا الخبر :
في ركن آخر من هذا الموقع الموقر نجد الخبر التالي : " رفضت الجزائر من جديد السماح بزيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لوضع حد لسنوات من التأخير الممنهج [ ....] وأكدت الناطقة باسم تجمع عائلات المفقودين في الجزائر (إس أو إس مفقودين) نصيرة ديتور، التي انتقلت إلى جنيف بمناسبة انعقاد الدورة الخريفية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، أن المفاوضات بشأن زيارة المقرر استغرقت أكثر من ثلاث سنوات [...] وحسب هذه المنظمة غير الحكومية فإن هذا الملف الشائك المتعلق بالاختفاء القسري، يقض مضجع المسؤولين الجزائريين الذين يخشون منذ سنوات الآليات الدولية لحقوق الإنسان..." ( انتهى الخبر ) ..
لست أدري هل نعاتب حكام الجزائر أم نعاتب المنظمات الدولية التي تبيع ذمتها لحكام الجزائر ؟
فمتى كان في الجزائر إنسان بمقاييس الإنسانية المتعارف عليها دوليا ؟
أولا : في الجزائر لا أخبار إلا عن الجنرالات :
لم نعد في حاجة للأخبار في هذا العصر بل نحن في حاجة إلى تحاليل لهذه الأخبار والبحث عما بين سطورها وخلفياتها ، فقد أصبحنا نعاني تخمة في الأخبار فحيثما وليت وجهك ترى وتسمع الأخبار ، ففي الجزائر مثلا يطغى خبر الجنرالات وحركاتهم في رقعة الحكم فمثلا لا نسمع سوى : تمت إقالة الجنرال فلان وتعيين الجنرال علان وتقريب الجنرال زيد وإبعاد الجنرال عمرو ، إذن الجيش هو الذي يحكم الجزائر شاء من شاء وكره من كره ، وما المظاهر المدنية في الجزائر سوى أوهام وخيالات تطفو على السطح لذر الرماد في عيون المُغَفَّلين في الداخل والخارج ... ففي الجزائر لا أخبار إلا عن الجنرالات لأنها ليست دولة مدنية ولن تكون أبدا غير ذلك ..
ثانيا : الجزائر عبارة عن ثكنة عسكرية :
في دول العالم الشعب فيها هو الذي يبني جيشه الذي يحميه ويحمي حدوده ، ومقراتُ الجيوشِ ثكناتُها أما في الجزائر فالجيش منذ أن استحوذ على الحكم بعد الاستقلال المفترض مباشرة عضَّ على السلطة بالنواجد ولم يفرط فيها ولن يفعل بل تغلغل في دواليب الدولة كالسرطان الذي ينخر كل أعضاء الجسم حتى أصيب جسم الشعب بالضعف والهوان ، فالشعب الجزائري نحيل ضعيف خائر القوى من جهتين ، جبروت الجنرالات الذين يجثمون على صدره من جهة وامتصاص خيراته ودمائه ونهبها من جهة أخرى ، فالشعب الجزائري يعيش داخل الجزائر كالجنود من الرتب المتدنية الذليلة التي لا قيمة لهم ، كل هَـمِّهم هو الركوع وتعظيم السلام لمن هو أكبر منهم رتبة ، والويل كل الويل لمن لا يرضخ لأسلوب العيش تحت الصُّباط العسكري ...
في كل بقاع العالم يتتبع الناس تطور الحياة السياسية لرجال السياسة عندهم من خلال تطور ثقافتهم ودرجاتهم العلمية في العلوم السياسية مثلا أوالقانون الدولي والقانون العام والقوانين الدستورية وعلوم الاقتصاد وكل العلوم التي تصنع رجالات الدولة الأكفاء لقيادة الأمم الشامخة إلا في الجزائر فالشعب يتتبع درجات العسكر وَصَوَلاتهم وجولاتهم وكم قتلوا من الشعب الجزائري وكم هو عدد المؤامرات التي اشتركوا فيها لقلب نظام عسكري إلى نظام أكثر عسكرة منه ، ولا تسمع إلا أن الجنرال فلان هو الذي له سطوة ونخوة أكثر من غيره وهو الذي يصلح للمرحلة الدقيقة التي نعيشها اليوم ، وما يسمى بالشعب فهو مجرد جنود بئيسة يشرئبون بأعناقهم ليتملوا بطلعة كروش ضباطهم النامية على الدوام ليس إلا ...
ثالثا : جيش يرهن البلاد والعباد :
كل الدول العظمى تتعامل مع العسكر الجزائري الحاكم باعتباره اليد القوية الوحيدة والمتصرف الأوحد في الاحتياط الغازي والنفطي للجزائر ، أما الشعب الجزائري فلا وجود له وهو مجرد رعايا يعيشون في ثكنة عسكرية كبيرة تسمى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وفي الثكنة تموت " المواطنة " ولايبقى سوى الرعايا من الدرجة الدنيا ... والعسكر اليوم في الجزائر قد رهن مستقبل البلاد للخارج باتفاقيات طويلة المدى تعطيهم حق استغلال خيرات البلاد إلى يوم القيامة مما يؤبد درجة تفقير العباد في البلاد ، زكانت خطة الحاكمين في الجزائر هي إسقاطها في اقتصاد الريع وتدعيمه ، ونشر الرعب والقحط السياسي وثقافة الكسل ومد اليد السفلى لليد العليا ثمنا للسلم الاجتماعية ، وبذلك رهن العسكر البلاد ومستقبلها في يد الدول العظمى التي لا تعرف سوى مصالحها الاستراتيجية والشعب الجزائري منخورالقوى حائرٌ يُقَلِّبُ عينيه بين جماعة الشياتين الذين يقتاتون من موائد أسيادهم من الجنرالات ، شعب لا يحرك ساكنا ومحيطه شرقا وغربا وجنوبا يغلي ويمور ويموج وهو في سبات عميق كأنه ليس من أهل المنطقة المغاربية ... فهل الشعب الجزائري بشر كغيره من البشر ؟ إنه شعب مرهون مع متاع الدنيا مثله مثل الغاز والنفط وغيرما من المعادن النفيسة في البلاد ...فأين المنظمات الحقوقية الدولية ؟
رابعا : الجزائر ثكنة عسكرية فهل المنظمات الحقوقية الدولية تدخل الثكنات العسكرية ؟
إن ضحايا العشرية السوداء في الجزائر تجاوزوا الربع مليون جزائري ، ويعلم الله عدد ضحايا الاختفاء القسري وعدد الذين ألقت بهم المروحيات في البحر أمام مدينة وهران وغيرها من شواطئ البحر الأبيض المتوسط ، ومع ذلك لا يزال للجمعيات المدنية الجزائرية أمل في الوقوف على مصير هؤلاء المختفين ، ولايزال لهم أمل في المنظمات العالمية لتدخل للجزائر لتقوم بواجبها الإنساني ، وقد تلقت جمعية تجمع عائلات المفقودين في الجزائر (إس أو إس مفقودين) تلقت صفعة مدوية معناها " إن المنظمات الحقوقية العالمية لن تستطيع الدخول للثكنات العسكرية ... ولن تقوم بواجبها مجانا في سبيل شعب الجزائر ، فهل يستطيع الشعب الجزائري الفقير أن يدفع مثل ما يدفع عسكر الجزائر ؟ هل يستطيع أن يصد إغراءات الجنرالات الجزائريين الحاكمين الأغنياء الذين ينفقون الملايير من الدولارات من أجل تسيير تلك المنظمات الحقوقية العالمية خارج الجزائر وتخطيط برامج زياراتها في كل بقاع العالم ما عدا الجزائر ، إنها لعنة المال السائب في الجزائر ، لقد أثقن الجنرالات لعبة شراء ذمم المنظمات الحقوقية العالمية بل استطاع العسكر شراء عضوية الجزائر في مجالس حقوقية تابعة للأمم المتحدة وهي عضوية يندى لها جبين من يعرف تاريخ السفاحين الحاكمين في الجزائر وما يجري فيها حتى الساعة ...إن شعبا يكره جيشه الذي جثم على صدره طيلة 51 سنة ، جيشا نهب كل خيرات الشعب ، جيشا جعل من البلاد ثكنة عسكرية ضائعة في مساحة مترامية الأطراف يعيش فيها مرعوبا لا يحرك ساكنا ، هذا الشعب أصبح لا يطلب سوى لقمة تضمن له البقاء حيا ، أما المختفون وحقوق الأحياء وكرامتهم فقد ضاعت وإلى الأبد إلى الأبد إلى الأبد إلى الأبد إلى الأبد إلى الأبد ...
فهل تستطيع منظمات حقوق الإنسان العالمية أن تتدخل فيما يجري داخل الثكنات ؟ .. طبعا لا وألف لا ...إذن لن تدخل هذه النظمات الدولية للجزائر طالما الشعب الجزائري منبطحا داخل ثكنة عسكرية اسمها الجزائر يفعل فيهم العسكر ما يريد ...
عود على بدء :
نهمس في أذن الجمعيات الحقوقية المدنية الجزائرية الحقيقية إن وُجِدَتْ مثل (إس أو إس مفقودين) ونقول : " لقد أخطأتم الجبهة التي تناضلون فيها ، إن أول نضال يجب خوضه هو نضال من أجل إخراج الشعب الجزائري من الثكنة التي يقبع فيها ، ولا يبقى فيها سوى العسكر ، وطالما ظلت الجزائر كلها تعيش عيشة الثكنة العسكرية فلن تتجرأ منظمة حقوقية دولية على الاقتراب منها فأحرى الدخول إليها لأن الثكنات محرمة على المنظمات الحقوقية الدولية بالقوة والمال ، فاخرجوا من الثكنة أولا لتشموا هواء المواطنة المدنية ثم ابحثوا عمن يساندكم في البحث عن تقرير مصير شعب برمته ...
ابحثوا فيما بينكم عمن يركع لكروش الجنرالات المنتفخة يقدسها صباح مساء ويتقرب منها لقضاء مصالحة في أسوإ صورة للشيتة والشياتين الجبناء في تاريخ البشرية ... وتلك هي الخطوة الصحيحة الأولى لقطع مسافة الألف ميل لتحرير الجزائر ...
سمير كرم للجزائر تايمز.