نورالدين اليزيد
إذا كانت "الموجهة السّيسية" التي يُسمونها ظُلما وزورا وتدليسا في التاريخ، ثورة تصحيحية، لثورة 25 يناير التي أنهت عقودا من الحكم الدكتاتوري، وجاءت بحكومة وجمهورية منتخبة لأول مرة ديمقراطيا، في مصر، قبل أن يُطاح بها من طرف العسكر، هي موجة أتت على كل أخضر يانع من إعلام وفن وكل شيء جميل في المحروسة، وباتت الرداءة هي المتحكمة في المشهد، طلبا وتقربا من العسكر الذي جثم على صدور الناس هناك، فإن لهذا الرديء حدودا لا ينبغي له بأي حال أن يتجاوزها، خاصة عندما يولي وجهه قبل المغرب الأقصى!
صحيح أنه بالأمس القريب فقط كان علينا ككُتاب أن نرد على إعلامية مصرية دفعها "حبُّها" الأعمى والجارف لذوي البزات العسكرية، لأن تنعت المغرب بالبلد الذي يعتمد اقتصاده على الدعارة، وبالبلد الذي "تآمر" نظامُه على "الربيع العربي" بتسليمه الحكم لإسلاميي "العدالة والتنمية" تفاديا للأسوء، قبل أن تكشف الإعلامية خطأها الفادح وتهورها وتعتذر لكن دون أن يقيها ذلك شرّ طردة من القناة التي شتمت عبر أثيرها المغرب والمغاربة...إلا أننا ترفّعنا عن الرد واعتبرنا ذلك علنًا من قبيل "فلتات" اللسان، التي ينبغي تجاهلها رغم أننا كنا نعي جيدا -سرّا- أن ذاك الشتم والسب مرده إلى حقد دفين من قبل البعض خاصة مع استمرار تألق النموذج المغربي وتميّزه، سواء جاء ربيعٌ عربي أو لم يجئ...
وصحيح أيضا أننا وضعنا مسافة تشبه تلك التي بين السماوات والأرض، بيننا وبين تصريحاتِ مُمثِّل (فنّان) احترمناه طيلة مشواره الفني وصفقنا له، لبراعته في التمثيل، ولحضوره القوي على شاشتينا الكبيرة والصغيرة، عندما قال إن مُعظم المغاربة هم يهود، وإن "حسن البنا" أحد أكبر منظري ومؤسسي جماعة الإخوان المسلمين هو يهودي مغربي..فأشفقنا على الرجل وجعَلَنا كبرياؤُنا لا نرضى لأنفسنا الرد على ترّهات أرذل العمر، وتأسفنا على أن تكون نهايات هرَمٍ فني بتلك الطريقة التي يبدو فيها جاهلا وتافها تماما كالذي خرج لتوه من حانة وهو ثمل لا يعي أنه يتبول على سرواله، وهو من فرط ثمالته يضحك ويزهو وكأنه يُحسن صنعا !!
لكن الذي لا يمكن التغاضي عنه وتجاهلُه ولابد لنا أن نقول فيه رأينا ولو أغضب بعض ذوي النيات الحسنة والطيبين من أشقائنا المصريين، هو أن تأتي الإساءة من مؤسسة دينية لطالما احتفظنا لها باحترام وتقدير كبيرين، ولطالما حرصنا على أن تُرفق تسميتُها في أحاديثنا وكتاباتنا بوصف "الشريف"، مع الاحتفاظ للصفة بالزخم اللازم من التبجيل والتوقير..لكن يبدو أن مؤسسة الأزهر الشريف التي مثّل جامعها (الأزهر) منذ القدم أنه ثاني أقدم جامعة في العالم بعد جامعة القرويين بفاس (المغربية)؛ وهي المؤسسة الأزهرية التي اعتُبرت أيضا مفخرة لمصر والمصريين، طيلة أزيد من ألف سنة، ورمزا لإسلامية أرض الكنانة، تشهد في زمننا هذا الأغبر والرديء منعطفا تاريخيا يحيد بها شيئا فشيئا عن الوظيفة التنويرية والتثقيفية والتعليمية التي وَضع لأجلها حجرَ أساسها القائد العربي "جوهر الصقلي" في 14 رمضان سنة 359 هـ - 970م، بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر وبعدما أسس مدينة القاهرة !
وليس الموقف المخجل والفتاوى الشاذة التي صدرت عن اثنين من أبرز شيوخ هذه المؤسسة، وهما شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومفتي الديار المصرية السابق علي جمعة، من ثورة المصريين لـ 25 يناير وانقلاب 3 يوليو، إلا نموذجا صارخا لمدى قدرة مثل هؤلاء ممن يسمون "علماء السلطان" على لي وتحريف النصوص الشرعية لخدمة أولياء النعمة خاصة من العسكر، حتى وإن جاءوا إلى السلطان على جثت آلاف الأبرياء !
ولا يسع المجال للحديث عن مواقف الخزي والعار التي أبان عنها هذان الشخصان ومشيختهم الأزهرية، سواء من خلال التحريض على قتل المصريين الأبرياء واستباحة دمهم من قبل العسكر، وأمر قائد الانقلاب العسكري والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بـ"الضرب في المليان.." (أي القتل بالرصاص الحي)، كلَّ المناوئين للانقلاب العسكري، أو من خلال تقديم "الوصفات" الجاهزة والنصوص الشرعية المحرفة لقادة الانقلاب لأجل التعتيم والتسويق الخارجي، بالإضافة إلى استغلال الدين ورمزية المؤسسة التي ينتمون إليها لتغيير الحقائق واعتبار الضحية أنه إرهابي والجلّاد هو منقذ البلاد والعباد..
كل ذلك ويزيد كنا نعرض عنه ولا نخوض فيه، ونعتبره ضمن ما يدخل في إطار الشأن الداخلي لدولة شقيقة، ولكن يبدو أن المؤسسة التي نحترم فيها مئات العلماء من ذوي النيات الصادقة الذين لم يخشوا لومة انقلابي ولا اضطهاده وصدحوا بكلمة الحق في خضم لعلة الرصاص والمدافع، أبت إلا أن يمتد تطاولُها وخبثها وتضليلها ليمتد إلى بلاد تبتعد عن المحروسة بآلاف الكيلومترات، ليفتي بعض علمائها بكون المملكة المغربية تحتفل بالأعياد الدينية على "هواها"، وبأنها لا "تخضع" لِما يصدر عن المملكة العربية السعودية من تحديد لهلال الشهر؛ وهم يقصدون تخلفنا –نحن المغاربة- على الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في نفس اليوم الذي احتفلت فيه السعودية ومعها معظم مسلمي العالم !
وحتى لا أخوض فيما لا يحق لي الخوض فيه بالنظر إلى كون أن هناك من المغاربة مَن هم ذوو الاختصاص يُفترض أن يردوا، ولو أنهم ما يزالون في سباتهم هائمون، أكتفي بالتعليق على بعض ما جاء في هذه "الفتاوى" الأزهرية غير المسبوقة في حق المملكة المغربية؛ والملاحظة الأبرز فيما تفوه به بعض المحسوبين على "الأزهر الشريف"، هو عدم إشارتهم لأي نص شرعي، واكتفائهم فقط بـ"الغنج"، تماما كما تفعل ذلك بائعة الهوى لزبون "دفع" الثمن مسبقا وهي تريد أن تغريه أكثر لعلها تجعله يقبل عنها رغم أنه مُعرِض ! بحيث بعدما أكد المسمى، عيد يوسف، وهو أمين عام الفتوى بالجامع الأزهر، أن احتفال المغرب بعيد الأضحى لهذه السنة "غير جائز شرعاً"، وأنهم (المغاربة) يخالفون ما اعتاده المسلمون ويخرقون الإجماع، انبرى يقول إن "صلاتهم للعيد تعتبر باطلة وكذلك صيامهم ليوم عرفة"، منوهًا بأنه "كان من المفترض على أهل المغرب أن يخضعوا في يوم عرفة لحساب السعودية الفلكي".
والمثير أن ضرورة الخضوع للعربية السعودية قال بها أكثر من عالم أزهري، لم يكلفوا نفسهم بإتيان ولو نص شرعي يعضد مزاعمهم بعدم جواز وبطلان مناسكنا الدينية، بل إن بعض هؤلاء الذين أكدوا على أنهم يخضعون لـ"هواهم" أكثر مما يخضعون للنصوص الشرعية، ذهب بعيدا في وقاحته عندما اعتبر المملكة المغربية بأنها "تفسر الإسلام وفقاً لهواها".. ولسنا ندري عن أي "هوى" يتحدث هؤلاء، أهو الهوى الذي جعلهم يبيحون ويستبيحون قتل فئة عريضة من المصريين وينعتونهم افتراء بالفئة الضالة فقط لأنهم خرجوا يهتفون "لا للعسكر..ونعم للشرعية !"، أم أنه الهوى الذي يجعل صاحب عمامة أزهرية ينسى دوره الديني التوجيهي ويعرض خدمات "غير شريفة" وهو المنتمي لمؤسسة شريفة !
nourelyazid@gmail.com