أصبح المغرب مدعوا لعرض تجربته أمام العالم. تجربته في محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف ومقاومة التخلف، الأرضية الخصبة لنشأة كل أشكال الشذوذ. هذه التجربة اليوم هي محط اهتمام العالم، من مجموعات تفكير وهيئات دولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، وهي محط اهتمام الجامعيين والإعلاميين. ليست كل التجارب بقادرة على أن تغرس جذورها في تراب الأرض، ولكن التجربة القوية والمتفردة التي لا سابق لها هي التي يمكن أن يهتم بها العالم، ويمكن أن تتحول إلى درس عالمي في محاربة الإرهاب والتطرف. لم يكن الأمر استعراضيا أن يتم استدعاء المغرب لعرض تجربته في محاربة الإرهاب، داخل أروقة المنتظم الدولي، ولكن لأن التجربة أبانت عن فعاليتها ونجاعتها، ويمكن أن تختصر على العالم البحث عن نموذج للدراسة والتطوير. فالتجربة المغربية في مكافحة الإرهاب وفرادتها ليست وليدة الصدفة أو اللحظة أو المفاجأة التي أحدثتها الضربات الإرهابية، ولكن هي متولدة عن نموذج مغربي في الحكم والحكامة مختلف. نموذج لا إفراط ولا تفريط فيه. نموذج يقوم على أسس وركائز تشكل دعائم المقاومة الشاملة للتيارات الإرهابية. فالدولة في المغرب قائمة على أساس ازدواجية لها تأطيرات دستورية، فهي بداية تقوم على ركيزة إمارة المؤمنين، وهي الركيزة الأساسية في الحكم بالمغرب، باعتبارها العنوان الجامع المانع للاضطرابات، وهي المرجعية المؤطرة للاختلافات مهما كان شكلها، والركيزة الثانية هي الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تسير وفق دستور ووثيقة مرجعية ووفق مؤسسات وأطر للمحاسبة والمراقبة. فإمارة المؤمنين مكنت المغرب من صياغة نموذج خاص في الشأن الديني، يعتمد القراءة المنفتحة للنص المقدس، ويعتمد التجديد الديني، بالإضافة إلى التحكم في الفتوى، التي تعتبر الأساس النظري للإرهاب. وبفضل إمارة المؤمنين أعطت التجربة المغربية إشعاعها في العديد من البلدان الإفريقية، حيث صنعت مدرسة خاصة لا يمكن أن تصطدم حتى بالمرجعيات الدينية الأخرى، لأن المغرب رسخ رؤيته الدينية في إطار التعدد الديني والثقافي والإثني الذي عاشه عبر التاريخ. فمرجعية إمارة المؤمنين هي الكفيلة بالحد من فوضى الفتوى الدينية، التي تصنع التطرف وتصب عليه الزيت وتشعل نيرانه متقدة لتحرق الأخضر واليابس، وكلما تعددت مصادر الفتوى تعددت مصادر الغلو والتكفير، وكلما تعدد التكفير أصبح طبيعيا ووجد له بيئة حاضنة. التطرف موجود في كل مكان، والغلو موجود أيضا في كل مكان، لكن وجوده في المغرب جعله لقيطا، لأن إمارة المؤمنين حرمته من البيئة الحاضنة، ولهذا لا عجب أن نرى أن خلافة أبو بكر البغدادي تضع المغرب ضمن أهدافها الرئيسة لأنه يحرمها من الموارد البشرية. وبالإضافة إلى ما توفره إمارة المؤمنين من حماية للأمن الروحي للمغاربة، هناك الدولة الديمقراطية الحديثة، وهناك البناء الجديد للمؤسسات، والتأسيس الحضاري للمدن، وتوفير الفرص، وإعادة تأهيل الموارد البشرية وتنمية الإنسان، والموازنة بين المقاربة الأمنية والقضاء على أسباب التخلف التي تنتج التطرف.