سناء العاجي
حكاية موظفة مكلفة بالإحصاء، تعرضت لمحاولة اغتصاب من طرف أحد المواطنين. المكلفة بالإحصاء شكّت في الرجل حين أقفل الأبواب وأخذ المفاتيح. طلبت منه كوب ماء لتلهيه عنها قليلا، قبل أن تبعث رسالة هاتفية تشمل «كود» متفقا عليه مع زملائها في المنطقة في حالة الخطر. هؤلاء حضروا إلى العمارة وطرقوا جميع الأبواب إلى أن وصلوا إلى الشقة التي توجد فيها؛ حيث سمعوا استنجادها. رفض المعني بالأمر أن يفتح الباب قبل أن يقدم الزملاء أنفسهم على أنهم عناصر من الشرطة. حين فتح الباب، اعترفت لهم زميلتهم بأنه كان قد شرع في اغتصابها. انهالوا عليه ضربا قبل أن يقرروا تقديمه إلى الشرطة… المتهم توسل إليهم كثيرا فقررت الضحية أن تسامحه، رغم إصرار زملائها على العكس.
أول ما يثير الاشمئزاز في هذا الخبر، هو كمّ الكبت المستشري فينا. بمجرد ما يختلي رجل بامرأة، حتى لو كانت موظفة مكلفة بالإحصاء، فهو يلغي كل شيء إلا قضيبه. يفقد ملكات التفكير والإحساس والعقل ويصبح قضيبا ذكريا متحركا، لا أكثر. علينا أن نقتنع بهذه الحقيقة المرة: في مجتمعنا، هناك مشكل حقيقي في علاقتنا بالجسد وبالجنس. مرض جماعي مزمن لم نفكر يوما في حله لأننا اعتبرناه في أحسن الأحوال ترفا، وفي أسوئها موضوعا غير قابل للنقاش. فسادا وإخلالا بالأخلاق العامة.
قليلون يريدون الحديث في الموضوع وكثيرون مهووسون به حد المرض. حد الغثيان. ومادمنا بعد غير قادرين على الخوض في هذه المواضيع، فتستمر أمراضنا في التطور وفي النمو. سنتجاهلها ولن تتجاهلنا… وسيأتي علينا من يقول بأن أحمد الحليمي هو السبب. كان عليه أن يبعث الرجال للرجال والنساء للنساء. لماذا لم يحترم عاداتنا وديننا وأخلاقنا؟ ثم، لابد أن المكلفة بالإحصاء كانت، بشكل أو بآخر، ترغب في ذلك. وإلا، فلماذا دخلت بيت رجل أعزب؟ كان عليها أن ترفض. أتذكر الآن أني بدوري استقبلت في بيتي شابا مكلفا بالإحصاء. وأتذكر أنه لم يخطر ببالي لحظة واحدة أن أنقض عليه. أجبت على أسئلته. شكرته، شكرني… وانتهى الأمر.
النقطة الثانية التي علينا أن نتوقف عندها كثيرا، تتعلق بالعفو الذي قررت الفتاة أن تمنحه لشخص حاول أن يغتصبها. كثيرات يفعلن ذلك… لأن المجتمع لن يرحمهن. لأننا مجتمع يدين الضحية ولا يدين الجلاد، وخصوصا في قضايا التحرش والاغتصاب. «آش دّاها لعنده؟»، «علاش كانت لابسة هاكداك؟»، «أكيد غادي تكون دارت شي حاجة اللي خلاتو يبغي يغتصبها»،… وهلم جرا. وسيمر الأمر، وسيتحدث عنها الجميع بعبارة: «فلانة؟ آه هاديك اللي كان غادي يغتصبها واحد فالإحصاء». إن لم نقل: «هاديك اللي خسّْرها واحد فالإحصاء». فالمرأة المغتصَبَة تصبح خاسْرة. فاسْدة. غير صالحة للاستعمال… وهو؟ قد ندينه قليلا. لكننا نعتبر ذلك جزءا من فحولته. من رجولته. «كيفاش غادي يديرو الدراري يصبرو فهاد الوقت؟». في النهاية، يصبح هو ضحيتها… الفعل الجنسي، سواء كان تحرشا أو اغتصابا، هو طبيعة ذكورية يجب أن نتفهمها ونجد لها كل المبررات.
علينا يوما أن نخرج من هذا العنف الرمزي الذي تمارسه المرأة على نفسها. علينا أن نقتنع أن فضح أمثال هؤلاء الوحوش و/أو المرضى، هو استثمار نقدمه لمن سيخلفننا من النساء. هناك جهد نفسي ومجتمعي على المرأة إلزاما أن تقوم به، لكي تغير الوضع. فلن يقوم به عنها أحد…