قرأت هذا الأسبوع كتاب فاليري "شكرا على هذه اللحظة"، تحكي فيه حياتها السابقة مع فرانسوا هولاند. حاولت أن أبحث عن أحداث مثيرة لم تنشر في الصحف، عن فضائح و أسرار و صفقات مشبوهة. و لكن لم أعثر على شيئ. الكتاب مكتوب بأسلوب جميل، يعبر عن مشاعر و انطباعات فاليري في لحظات مميزة جمعتها مع بعض الشخصيات السياسية. ما أثارني في الكتاب شيء أخر تماما. أثارني الولاء الكامل للحزب و لفرنسا. و تساءلت هل لأن فاليري صحفية محترفة؟ أم لأنها فرنسية؟ أم لأنها كانت سيدة فرنسا الأولى و تريد أن تحافظ على هيبتها؟ هل لأنها أحبت هولاند فعلا؟ هل لأنها تجيد فصل الملفات و لا تجعل من حقدها على هولاند ذريعة لتنتقم من الحزب الحاكم و من الدولة فقط لأنه يديرهما؟
ففي إحدى الصفحات تحكي عن شخص تعاطف معها و عبر عن عزمه ألا يصوت على الحزب الاشتراكي الفرنسي بعد اليوم لأن هولاند خانها بنذالة. فأجابته بأنها ستصوت على الحزب الاشتراكي الفرنسي لأنها تؤمن به. فقرر هو الأخر أن يصوت مرة أخرى على الحزب من أجلها.
في صفحات الكتاب، يظهر جليا أن الصراع بين فاليري و هولاند في جوهره ليس بسبب خيانة فرانسوا لها و لكنه راجع بالأساس أن فاليري ترى نفسها ذكية و طموحة و تريد أن يكون لها دور فعلي في الحياة السياسية بفرنسا. أما هولاند، يريدها امرأة للزينة و الزنا فقط و لا يراها تصلح للسياسة كما لم يدعمها في حزبه. ففي أكثر من محطة، أبدت فاليري إعجابها بهيلاري كلينتون و بميشال اوباما كسيدتين قويتين لهما دور فعلي في الحياة السياسية لأزواجهما. و في أكثر من موقف عبرت عن رأيها في بعض القضايا السياسية و وصفت بأسى و حسرة كيف أن هولاند و حاشيته يخذلاها باستمرار بالاستهزاء من أفكارها، و كيف بعد ذلك يعترفون لها بأنها كانت على حق فيما قالته و فكرت فيه.
عندما تنهي كتاب فاليري لا تشعر بالمرة أنك كرهت هولاند بل العكس تماما تشعر بنوع من الألفة اتجاهه. لأنها استطاعت أن تضفي بعضا من الانسانية و الدفء على وجهه البارد الممل الذي يصعب اختراقه. ففاليري في الكتاب، انتقمت لكرامتها و أعطت لنفسها صورة المرأة التي تريد أن تكون و في نفس الوقت لم تسئ لهولاند و لم تنشر لا غسيله و لا غسيل فرنسا.
و رغما عني، وجدتني أتأمل سلوك فاليري الراقي، و طريقة تعاملها مع الجرح الذي سببه لها هولاند. و وجدتني أفكر في سلوكنا نحن المغاربة عندما ينقطع حبل الود فيما بيننا. ألسنتنا تتحول إلى مدافع و قذائف تأتي على الأخضر و اليابس. نعري بعضنا بقسوة و نجعل الأخر وحشا منحطا بدون أدنى خصلة. و اللحظات المميزة التي تبادلنها مع الأخر تتحول إلى جهنم و جحيم عند أول سوء تفاهم.
حتى بعض الصحافيين المغاربة، عند أول إحساس بالقهر و العجز، بدون أدنى حرج أو إحساس بالذنب، سيهاجرون و سيتعاقدون مع شركات إعلامية أجنبية لينشروا غسيل المغرب و لينتقدوا البلد بقسوة و يفضحوه أمام الخصوم و الأعداء و الحلفاء. و إذا أردت أن تحصد لايكات كثيرة، فما عليك إلا أن تكتب مقالا جارحا محبطا يعري الواقع المغربي بقسوة و بمبالغة و بسلبية.
و بعد ذلك سنتساءل جميعا ببراءة لماذا تطاول العرب و العجم علينا ؟ و لماذا في كل مرة يخرج لنا الإعلام المصري بممثل أو إعلامي يسيء للمغرب و المغاربة أمام الملء ؟ و لماذا الإعلام الفرنسي متحامل علينا ؟