للكاتب الدكتور حاتم السكتاني.
كان لخبر الزيارة الرسمية التي سيقوم بها فخامة رئيس جمهورية مصر العربية لبلده الثاني المغرب أثر طيب في نفوس المغاربة والمصريين على السواء لما ستتمخض عنه هذه الزيارة من نتائج إيجابية ستزيد من ترسيخ العلاقات التاريخية بين هذين القطبين العربيين الإفريقيين المؤثرين في مستقبل القارة الإفريقية والعالم العربي والإسلامي.
سأحاول في معرض هذه السطور أن أستشف عبر مقاربة ومقارنة بسيطتين وجوه التشابه والتقارب بين هاتين الدولتين اللتين باعدت بينهما الجغرافية وقاربت بينهما أشياء أخرى أعمق وأرسخ من الكيلومترات والحدود الواهية، إذ ينتمي البلدان لبلدان شمال إفريقيا ويقطنهما عرب وأمازيغ ويتكلمان العربية، لهما صحراءان شرقية وغربية، يشكلان قاعدة مثلث متوازي الأضلاع ذي قمة متجهة نحو الجنوب (جنوب إفريقيا) أي أنهما يشكلان الأجنحة الضرورية لإقلاع إفريقيا نحو آفاق التقدم والازدهار ومن دونهما تكون القارة كذاك الطير الجريح الذي قصت أجنحته فاستحال عليه الطيران إلى الأعلى. ومن مفارقات السياسة أن البلدان الثلاثة المكونة لهذا المثلث كلها، لسبب أو لآخر، عرفت مشاكل مع منظمة الوحدة الإفريقية المسماة حاليا "الاتحاد الإفريقي"، التي كان لمصر والمغرب شرف تأسيسها، فمنعت جنوب إفريقيا من الانتماء إليها حتى وقت قريب، وجمدت عضوية مصر لمدة تجاوزت السنة، وخرج المغرب منها في الوقت الذي أصبحت فيه وطنا لمن لا دولة له. إن الزمن أثبت أنه طالما أن أضلاع هذا المثلث مصابة بالكساح من جراء مؤامرات الإمبريالية الغربية وبعض الأنظمة القبلية أو العسكرية المحلية لن تقوم لإفريقيا قائمة.
إن المغرب عانى كما عانت مصر من استئصال جزء من صحرائه وتمكن الاثنان من استردادهما سياسيا من الاحتلال الإسباني والكيان الإسرائيلي وفق مقاربة سلمية وقانونية (يتعلق الأمر بالصحراء المغربية وسيناء) وفي فترات متقاربة 1975 و 1979 بالنسبة للمغرب و من 1973 إلى 1989 بالنسبة لمصر.
كما أن مصر والمغرب هما الدولتين الوحيدتين في إفريقيا اللتان تتمتعان بواجهتين بحريتين مختلفتين ويحق للمغاربة والمصريين الافتخار بكونهما (إلى جانب جوهرة العقد تونس الخضراء بجامعة القيروان) يحتضنان جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة وجامعة القرويين بفاس حيث تدرس أصول الدين فتصدر شيوخ وعلماء الدين المعتدلين والمتنورين إلى العالم بأسره، وعلى الرغم من اختلاف المذهبين المتبعين إلا أن كل مذهب ينهل من الآخر من دون تشنج ولا تعصب وكل مقاربة لمعالجة آفة الإرهاب لابد وأن تكون للمغرب ومصر كلمة الفصل فيهما إلى جانب المملكة العربية السعودية.
ولابد من الإشارة أيضا أن المغرب ومصر بلدان سياحيان وفلاحيان بامتياز ومن شأن التكامل الاقتصادي، عبر إعطاء شحنة إضافية للجنة العليا المشتركة، أن يعزز مكانة البلدين كقاطرة لإفريقيا والعالم العربي بالإضافة إلى القفزة النوعية التي تعرفها الصناعة بالبلدين وتحكمهما في الملاحة الدولية عبر قناة السويس وميناء طنجة المتوسطي. أما على صعيد الريادة فتحتضن القاهرة جامعة الدول العربية ويترأس المغرب لجنة القدس.
البلدان أيضا منارتان من منارات الفن والثقافة والسينما بما حصل عليه مواطنو البلدين من جوائز كونية كنوبل وݣـونكور، وبما يحتضنانه من مهرجانات كمهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان مراكش الدولي للفيلم ومهرجان موازين.
ومن محاسن الصدف أيضا أن السيسي هو "سادس" رئيس رسمي لجمهورية مصر العربية (إذا لم نحتسب رؤساء المراحل الانتقالية) من الجيل الذي فتح عينيه على الزعيم جمال عبد الناصر. ولعل لقاء جلالة الملك محمد السادس بفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي نسخة طبق الأصل للقاء المغفور له محمد الخامس بأخيه جمال عبد الناصر رحمة الله عليهما اللذان دعما القضية الفلسطينية، وأتى بعدهما جلالة المغفور له الحسن الثاني والرئيس أنور السادات لتختلط دماء الجنود المغاربة بإخوانهم المصريين في حرب 1973 ضد العدو الصهيوني. وعاد التاريخ مرة أخرى ليوقع على تطابق المواقف بين البلدين في دعم القضية الفلسطينية بالطرق السلمية والدبلوماسية، وقدر للبلدين أن يلعبا دور الحكماء في حرب الخليج الأولى ليجد الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية أن للمغرب ومصر نقس الأصدقاء والحلفاء ونفس التوجه ونفس الطموح بل ونفس الهواجس كهاجس الأمن ومحاربة التطرف بجميع أشكاله وحماية وحدة التراب ومراقبة الحدود وبناء السدود باحترافية ومهنية إذ تسعى العديد من الدول إلى الاقتداء بخبرة البلدين في هذا المجال الحيوي الذي سيرسم في المستقبل القريب خارطة فناء وبقاء العديد من الدول والكيانات.
لاشك أن المغرب سيستقبل رئيس مصر بالحفاوة المعهودة وبالأخوة الصادقة لنبدأ في 21 شتنبر 2014 بداية فصل الخريف لهذه السنة فننهي صفحة ربيع عربي دام استفاد منه التطرف بشكل كبير وعصف بكل ماهو جميل في التغيير التدريجي والحراك السلمي وبمبدء تدبير الاختلاف وقبول الآخر.
حللت أهلا ونزلت سهلا "يارﱢيس" ببلدك المغرب الذي يعشق مصر حتى النخاع ويتقن لهجتها ويفهم نكتتها. "ماهي فولة وانقسمت نصين .... واخذ بال حضرتك ؟؟؟!!!"