وقع مولاي هشام في خلط عجيب وهو يتحدث للصحفي الفرنسي ستيفان سميث، خلط نظري وتاريخي جعله لا يميز بين الدولة ومراحل تطورها، ولعله متأثر بكتابات الشيخ الكتاتبي عبد الله حمودي، فالذي يقرأ حواره الأخير يكتشف أنه إما جاهل أو متجاهل، لكن وكما يقال من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه فمولاي هشام أقر أنه فضل السكن في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي هو لم يعد يمتلك أدوات التمييز داخل المغرب ولم يعد يرى التغييرات التي تحدث بل ما زال متشبتا بأفكار ابتلعها وهو في مرحلة الشباب. لم يستوعب مولاي هشام أن يختار المغرب طريقته في الحكم، ولم يستوعب أن الديمقراطية ليست درسا واحدا يلقن لكل البلدان بقدر ما هي إبداع تاريخي، فالمغرب اختار طريقا وهي غير معبدة طبعا، يصنع الديمقراطية على ضوء الحق التاريخي الديني الذي تمثله إمارة المؤمنين التي ليست سوى المرجعية المؤطرة للتأويل العصري للنص المقدس، ونسي مولاي هشام أن حربا ضروسا كان يمكن أن تندلع بين طرفي الشعب حول مدونة الأسرة وأنجانا الله من الفتنة بفضل وجود هذه السلطة التأويلية. تمنى مولاي هشام أن يهلك المخزن أو يموت دون أن يحدد ما هو المخزن وما هي طبيعته، وإذا كان يقصد بالمخزن الحكم التقليدي فنحن لسنا في عهد الباشاوات الأباطرة بل في عهد يبهدل فيه مواطنا بسيطا قائدا إذا ما اعتدى عليه، وهناك نماذج كثيرة ويمكن أن يلجأ إلى المحاكم الإدارية لتبين كم من رجال السلطة مجرجرون أمام المحاكم بشكايات من مواطنين بسطاء، فإذا كان يقصد مولاي هشام بالمخزن العهد الذي يقوم فيه رجل كبير بإرسال مشغله إلى أمريكا إرضاء لنزوته دون أن يعرف الخادم لماذا ذهب ولماذا رجع فالمخزن قد هلك، لكن علينا أن نضع النقط على الحروف ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة. واعتبر مولاي هشام نفسه شخصا مغضوبا عليه من طرف القصر وواقع الحال أنه هو الذي اختار بنفسه العيش بعيدا عن نار التحولات السياسية والاجتماعية مستجما في أمريكا ودول العالم، ولا يهمه من هذا المغرب سوى ما تدره عليه شركاته المعفية من الضرائب بفعل لقب أصبح هو نفسه يكرهه، فالمغرب بالنسبة لمولاي هشام خزان مال فقط، ولأن التحولات الجديدة ستحرم العديد من الامتيازات فإن الرجل يريد أن يظهر بمظهر الأمير الثوري. وإذا كان مولاي هشام قادرا على الإزعاج فإنه لن يزعج إلا نفسه لأنه لا يتوفر على رؤية واضحة للأمور، ويمكن أن يكون إزعاجا من قبيل حوار يدور بين عالم وجاهل فلا محالة أن ينتصر فيه الجاهل لأن لديه القدرة على قول شيء.